د. محمد كامل القرعان
واجهت الدولة الأردنية منذ استقلالها واعلان المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946، سلسلة من التحديات استطاعت التغلب عليها بفضل حكمة القيادة الهاشمية، والتفاف الشعب حول قيادته وانتماء هذا الشعب وولائه للأردن.
وفي الإمكان العودة إلى تجارب مرّة كثيرة مرّ فيها الأردن، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح منذ سنوات طويلة: ما سرّ قوة الأردن ؟ الجواب بكلّ بساطة هو أن الأردن دولة مؤسسات وقانون وجيش واجهزة امنية ودولة ورجال ودولة تعليم وثقافة ومدارس وجامعات وارث وتاريخ وثوابت ومبادىء. هذا ما لا يدركه الكثير منا ومن حولنا الذي يسعى منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي إلى زعزعة الاستقرار والأمن في بلادنا، الذي يرفض الرضوخ لرغبات واملاءات خارجية خلافاً لما حصل في بعض الدول.
ومن بين هذه التحديات في شن حملات ذات طابع شخصي واخر سياسي من النوع السوقي والرخيص في تناول الأردن وقيادته والتشكيك بمواقفه وثوابته .كذلك واجه الأردن مزايدات وممارسات إرهابيّة لكنه استطاع مواجهة كل الأحداث والازمات والارهاب من حوله واخرها الربيع العربي التي اجتاحت رياحه العاتية دول عديدة وخلفت ازمات سياسية وهجرات نوعية ودمار وخراب لا نهاية له ، في الوقت الذي نبه لها الاردن ولتداعياتها الخطيرة على المنطقة والعالم ؛ لكنّه لم يجد أذناً صاغية غير مدركين النتائج التي ستترتب على ذلك.
ويظل الأردن ، الأقرب الى القضيّة الفلسطينية ، يفسّر ذلك الإصرار الإردني بقيادته الهاشمية على حل الدولتين ، واقامة الدولة الفلسطينية على ترابها الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، ويتجاهل الكثيرين أنّ علي الأردن مواجهة الحملات التي يشنها اليمين الإسرائيلي الذي يمارس في هذه الأيام كلّ أنواع الوحشية في حقّ الشعب الفلسطيني لا سيما قطاع غزة مخلفا الاف الشهداء والضحايا محاولا تصفية القضية الفلسطينية على حساب الحق الفلسطيني والاردن ومصر . ويتجاهل هؤلاء بكل أسف مقومات الصمود الأردني وصمود جلالة الملك عبد الله الثاني بالذات. دون الخوض في التفاصيل الدقيقة ، يمكن أيجاز عناصر القوة للاردن وثباته ولولا هذا الصمود لما كان للاردن القدرة على استضافة “مؤتمر دولي للاستجابة الإنسانيّة الطارئة في غزّة” بتنظيم مشترك ومصر والأمم المتحدة . ولا يستطيع الأردن اتخاذ موقف غير مبال عندما تتسبب حرب غزة بكارثة إنسانية لنحو مليونين وثلاثمئة ألف فلسطيني بل ذهب ابعد مما تصوره البعض ورمى بثقله السياسي والدبلوماسي على المؤثرين عالميا في القضية الفلسطينية وتحديدا على دولة الاحتلال لوقف عدوانها الغاشم على قطاع غزة ، وازيد فقد استطاع بناء جسر جوي لامداد اشقائنا الغزيين بالمساعدات المطلوبة فضلا عن المستشفى العسكري الميداني هناك لضمد جراج الغزيين.
ويتكل الأردن في صموده على الوحدة الوطنية بين مختلف مكوناتهم والتفافهم حول مؤسسة العرش بالذات وجيشهم. ولا شكّ في أن الأردنين يدركون ويعون التجارب السابقة، ويتذكرون تضحيات الاردن في باب الواد واللطرون واللد والرملة والقدس.
يبقى العنصر الثالث الذي يلعب دوراً أساسياً في قوة الأردن ، ويتمثل في قوة المؤسسات الأمنيّة من جيش وأجهزة أمنية ومخابرات اضافة الى قوة مؤسساته العامة. ولعب الاردن بقيادة الملك دوراً في غاية الأهمّية في تطوير هذه المؤسسات، مكملاً بذلك ما قام به المغفور له بأذن الله تعالى جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه ، على الرغم من كلّ الصعوبات التي واجهت المملكة، خصوصاً الصعوبات الاقتصادية والسياسية وتلك الناجمة عن اللجوء السوري والاحتلال الامريكي للعراق. واستهداف المليشات المدعوة من ايران أمن الأردن واستقراره ومحاولة ادخال السلاح إلى الأردن نفسه ، من طريق الأراضي السوريّة ، ومحاولة إدخال قسم من هذا السلاح إلى الضفّة الغربية ويترافق تهريب السلاح مع سعي إلى تهريب المخدرات (الكبتاغون تحديداً) عبر الأردن، إلى الدول العربيّة الخليجية.
عند التطرق إلى هذه عناصر القوى هذه ، لا يعود الصمود الأردني سراً، إلّا عند الذين كانت لديهم دائماً عقدة الأردن بحسناته الكثيرة ومواقفه المشرفة.
ويعود ذلك بالاخص إلى امتلاك جلالة الملك عبد الله الثاني شخصيّة خاصة به يميّز بها عنم غيره في كلامه المباشر العميق سياسياً الذي يترافق مع تسمية الأشياء بأسمائها وطرح العديد من الموضوعات السياسية التي تغضب غيرنا على المنابر الدولية وجميع الصالونات والمؤتمرات الدولية. ويعود ذلك إلى عاملين : أولهما معرفة الملك بالعالم لا سيما الغربي من قرب ، وثانيهما الخلفية العسكريّة والسياسية للملك الذي أمضى سنوات عديدة في صفوف “الجيش العربي” المصطفوي ضابطاً مارس الخدمة الفعليّة، وشارك في دورات كثيرة خارج الاردن وتعلمه على ايدي الراحل الحسين رحمه الله تعالى ومرافقته. هذا يجعل منه شخصاً مباشراً وعملياً عند تعاطيه مع الواقع والدوافع .