مصطفى الشبول
في مشهد غريب على القناة الوثائقية قام فهد باصطياد غزال بعد ملاحقته لمسافات بعيدة ، وبعد أن تمكن منه جائت أربعة كلاب برّية شرسة هاجمت الفهد و أخذت منه الفريسة.. وقبل أن تجلس الكلاب البرية على الفريسة جاء ضبع ضخم وحمل الفريسة من بين الكلاب الأربعة بصمت ودون أي مقاومة أو عراك…
فما أشبه هذا بذاك ..وما أقرب هؤلاء لنا .. فقد أصبحنا وكأننا في غابة بشرية يأكل القوي حق الضعيف ونحسد بعضنا ولا نحب الخير لبعضنا البعض ، فنكره النجاح لفلان ، ونكره الفوز لفلان ، ونحسد فلان على رزقه ، ونطمع في رزق فلان ونتمنى أن يزول عنه ، ونكره أن يترقَّى فلان في عمله أو يحصل على منصب جديد … ليس غبطة ولكن حسد بأم عينه (يعني عينه على اللقمة اللي بفم غيره) فقد وصل الأمر إلى أن يشتكي أحدهم على أرملة تأخذ راتب من صندوق المعونة الوطنية (خمسين دينار من الشؤون) بحجة أن لها دونم أرض ولا تستحق الراتب…، والمشكلة أنها تأتيك من أقرب الناس لك ، و أقرب جار لك ، و أقرب زميل دراسة (إذا كنت متفوق في دراستك) ، ومن أقرب زميل عمل إذا كنت متميز في عملك ، فالعشرة الطويلة لا تصنع الصداقات، فمن آلاف السنين والأخشاب ترافق المناشير والمناجل ترافق السنابل …ولم يكن المنشار يوماً صديقاً للأخشاب ولا المنجل صديقا للسنابل ..فهكذا بعض الذين نعاشرهم مناجل ومناشير، لكن السنابل بقيت تعطي القمح ،والأخشاب تتحول إلى كراسي وطاولات …فإذا أجبرت على عشرتهم أبق سنبلة تعطي وتثمر ، وأصنع الخير لا لأنهم أهله ، بل لأنك أنت أهله… فهؤلاء الحاسدون لن يتغيروا ولن يتأثروا بطيبتك فلا تتأثر أنت بشرّهم ولا بحسدهم …فهم غافلون وسيبقوا في غفلة حتى يبعثون .. فقد قال أحد السلف الصالح : ( الأموات محبوسون في قبورهم ، نادمون على ما فرّطوا …والأحياء في الدنيا يقتتلون على ما ندم عليه أهل القبور… فلا هؤلاء إلى هؤلاء يرجعون ، ولا هؤلاء بهؤلاء معتبرون)
والمصيبة بأن هؤلاء يحسبون أنفسهم بأنهم دائماً على صواب ،وأنهم هم المصلحون.. لكنهم بالواقع أشبه بالمناجل والمناشير….