د.حسام العتوم
وصلت موسكو العاصمة الجميلة بتاريخ 7 /7 /2023 ، عاصمة الحضارة والتاريخ ، وهي هادئة ومستقرة كما عهدتها منذ أيام الدراسة فيها، وفي جنوبها في مدينة فارونيج الجميلة والعزيزة أيضا، وشاهدتها هذه المرة أكثر ازدهارا وحيوية و نشاطا، وتعج بسكانها وزوارها وبشكل ملاحظ رغم أجواء حراك العملية الروسية العسكرية التحريرية على اطراف المناطق المحررة في اقليمي القرم والدونباس، ورغم الهجوم الأوكراني ( كييف ) المعاكس والمسنود بالمال والسلاح الغربي الحديث الذي فشل في موقعه ويسجل فشلا مستمرا خارج حسبة بأن الجيش الروسي المحرر والمرتكز على القانون الدولي وتحديدا على المادة 7/51 من مواد ميثاق الأمم المتحدة التي اتاحت له الدفاع عن سيادة روسيا الاتحادية، هو الأقوى في العالم ، وبأن ما يرسله الغرب من سلاح سيبقى محدود السقف ، بسبب بأن ما حركته روسيا متأخرا، منذ اندلاع الثورات البرتقالية وانقلاب عام 2014 غير الشرعي هي مجرد عملية عسكرية تحريرية محدودة لا ترتقي لحالة اعلان الحرب ، والمعروف هو بأن روسيا لم تعلن الحرب ولم تبدأها ، ولم تذهب الى أوكرانيا محتلة كما يشاع في ( كييف ) والغرب ، ولم تكن يوما تمارس العدوان، و لا تعتبر نفسها في حالة حرب مع أوكرانيا جارة التاريخ أو مع الأوكران الأشقاء، وبأن حربها الحقيقية ان فرضت عليها لن تكون الا مع الغرب غير المتفهم لحراكها العسكري ، و لا حتى لسيادة أوكرانيا التي دافعت عنها عبر الحوار المباشر و من خلال اتفاقية (مينسك) التي شارك الغرب ( المانيا و فرنسا ) في صياغتها الى جانب ( روسيا و كييف و بيلاروسيا )، وما اراده الغرب عبر ( كييف ) وحتى الساعة هو اشعال نيران الخلاف والصدام بين الأشقاء الروس والأوكران داخل منظومة السوفييت السابقة ومثيلتها السلافية ، خاصة بعد نجاح الغرب في المساعدة على هدم الاتحاد السوفيتي نفسه .
وبوصولي الى موسكو في السنوات الأخيرة عبر القاهرة واسطنبول كنت ولازلت أتحسس فقداني وجود طائرة الملكية الأردنية التي كانت تربط عمان عاصمة مملكتنا الأردنية الهاشمية بموسكو عاصمة روسيا الاتحادية الصديقة ، وفقداني حتى لطائرة الأيروفلوت الروسية التي كلفت أيضا بأن تكون الرابط بين دولتينا الصديقتين، وفيها زرت سفارتنا الأردنية ” بيت الأردنيين قول و فعل “، والتقيت سفيرنا المحترم السيد خالد الشوابكة فيها ، وهي ليست المرة الأولى ، وعرضت أمام سعادته ما جال في خاطري ، وكان ناصحا لي و بصدق ، و المعروف هو بأن اعلامي مثلي متخصص في السياسة الروسية و الدولية عبر كتب ثلاثة ومقالات تحليلية موضوعية عميقة هادفة لا بد وأن تعرض عليه دعوات المشاركة في القنوات الإعلامية التي كنت أشكرها كلها وأعتذر منها لسببين أولهما هو بأنني ضيف على روسيا ، و للضيافة حدود ، و لكون أن الكلمة الإعلامية كما الرصاصة ان خرجت يصعب تصويبها حتى بعد الاعتذار، و الناس في روسيا وعبر المسافة التي قطعتها في الأيام الأولى لزيارتي الأخيرة هذه من موسكو و حتى مدينة روسوش القريبة من الحدود الأوكرانية يعيشون ويتحركون بأمان ، والمظاهر العسكرية المكثفة التي شاهدتها في العام الماضي تراجعت الى نسبة كبيرة بسبب أن العملية/ الحرب أصبحت في العمق داخل أراضي الدونباس المحررة ، أي بعمق حوالي 200 كلم تجاه الأراضي الأوكرانية نفسها ، والمواد التموينية متوفرة في الأسواق التجارية وبأحجام كبيرة كما ونوعا، والأسعار مناسبة للعامة ، وحجم الشراء كبير، ومرتادوا المطاعم وحتى الفاخرة منها كثر، السياحة الروسية الداخلية عاملة بقوة لدرجة يصعب فيها الحصول على تذكرة سفر بالقطارات بسهولة، والطائرات الداخلية غير عاملة في المقابل تجاه مناطق الجنوب لقربها من الحدود الحربية الساخنة، واقبال سياحي روسي على منطقتي سوتشي والقرم البحريتين على شواطئ البحر الأسود، ومن السهولة ملاحظة فروقات الحياة وخدمات البنية التحتية بين المدن الكبيرة العملاقة مثل ( سانت بيتر بورغ وموسكو )، وبين مدن الدرجة الثانية مثل: ( روستوف عاصمة روسيا الثالثة و فارونيج و سوتشي )، وبين مدن الدرجة الثالثة مثل: (روسوش و بيلغراد ) .
ولقد سعدت بدعوة صديقي الدبلوماسي الروسي القنصل العام في الغردقة المصرية السيد فيكتور فارابايف على الغداء في فندق كارلتون في موسكو بتاريخ 21/ 7/ 2023 ، ولقد اختار أن يكون مكان الدعوة على الطابق 12 الأخير منه المطل على عظمة قصر ( الكرملين ) الرئاسي وساحة أضرحة عظماء بناة الاتحاد السوفيتي الحمراء، وبالقرب من مقر الرئيس فلاديمير بوتين الرئاسي ، وكان سعيدا جدا بحضوري، و أعرب عن افتخاره بما أكتب في شأن بلاده العظيمة روسيا ، وبأنصافي لها في الزمن الصعب – زمن العملية / الحرب ـ و بدى لي بأنه كان مهتما بصورة روسيا وسط العرب، وبموقف الأردن المحايد من الحرب، خاصة وأنها ليست حربنا في الأردن وعند العرب، لكننا في الأردن و كذلك العرب نقيم علاقات متوازنة مع روسيا و أوكرانيا ( كييف ) ومع دول الغرب كافة، ونتمنى للحرب أن تنتهي الى سلام و تنمية شاملة، وهكذا هو كتابي الثالث الأخير الذي تصدرت دعوات السلام كلماته الأولى، حيث كتبت ” نعم للسلام و لا للحرب “، وجاء عنوان الكتاب ” الحرب التي يراد لها أن لا تنتهي الروسية الأوكرانية ومع الناتو بالوكالة، وهو الكتاب الذي شكر صدوره صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظم ، و كبار رجالات الدولة – رؤساء الحكومات والوزراء والسفراء ، ولقد سبق لجلالة الملك عبد الله الثاني المعظم ” حفظه الله ” أن شكر صدور كتابي الأول ” روسيا المعاصرة و العرب ” وكبار رجالات الدولة والسفراء كذلك، وحصد كتابي الثاني ” الرهاب الروسي غير المبرر ” شكر كبار رجالات الدولة الأردنية أيضا، وكتبي الثلاثة ساهمت في ترسيخ العلاقات الأردنية و العربية الروسية ، ودعت للسلام و التنمية .
والتقيت بعائلة روسية في رحلة القطار من موسكو الى جنوبها وكانت قادمة للتو من رحلة سياحية الى كوبا بعد قطع 14 ساعة بالطائرة بحثا عن ما هو مدهش ويجلب النظر والراحة ، وبسيدة روسية من مدينة فارونيج تشتري ملابسها الخاصة الغربية عبر تركيا واشترت عائلتها مركبة أجنبية عن طريق أوزبكستان، وكل ذلك يجري للتغلب على عقوبات الغرب ضد بلادهم ، والتي هي غير صائبة ولا تصب في صالح الغرب أبدا الخاسر للسوق الروسي البشري الكبير حيث تعداد السكان يقارب الـ( 150) مليون انسان، و الروس يتفهمون الدور السياسي والعسكري التحريري لبلادهم ، ويعرفون بأن الحرب في المجمل مؤامرة كبيرة عليهم، وبأن تاريخ بلادهم لم يشهد بحثهم عن حرب في الحربين العالميتين الأولى 1914 /1918 و الثانية الهتلرية 1941/ 1945، ولا حتى في زمن نابليون بونابارت 1812، وكما هي روسيا في الزمن السوفيتي تصدت للاعتداء الياباني وسيطرت ولازالت حتى الساعة على جزر ( الكوريل) اليابانية ، واجهت نفس الحالة مع أوكرانيا ( كييف ) التي ادارت ظهرها بالكامل لروسيا لمجرد حصولها على الاستقلال من الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، وهو الأمر الذي دفع بروسيا لإعادة هدية نيكيتا خرتشوف ( القرم )، وهدية فلاديمير لينين ( الدونباس)، و العاصمة ( كييف ) في عرف التاريخ الروسي هي ( كييفسكايا روس ، أي كييف الروسية ) الواجب أن تحمي نفسها وتحافظ على وجودها .
ولقد وجهت العائلة الروسية التي مكثت فترة سياحتها في كوبا التوجه في المرة القادمة الى الأردن القريب من روسيا كما الشرق القريب، حيث تم تعميد السيد المسيح في منطقة المغطس باعتراف الفاتيكان ، وولد في الجوار الفلسطيني، وحيث البحر الميت الفريد عالميا الى جانب مدينة البتراء التاريخية النبطية الوردية، وحيث أثار جرش الرومانية ، وأم قيس المقدونية البناء، وحمامات ماعين و أم قيس ، ووادي رم ، والقصور التاريخية في الصحراء الأردنية و في الأرياف، والروس مهتمون بما يجري في منطقتنا العربية ، و أقول لهم دائما بأن أكبر مشكلة تواجه العرب هي التواجد الإسرائيلي فيها ، فهو الاحتلال الذي لا يعترف بحقوق العرب التاريخية، ويحاول ترحيل مشكلة شعب فلسطين للدفع بها خلف أسوار العرب ، والتاريخ الكنعاني و الفينيقي و اليبوسي شاهد على أصالة العرب والأحقية التاريخية منذ قبل الميلاد الاف السنين .