رمزي الغزوي
طالما شعرت عجلون أنها ظلمت كثيراً، وأنها لم تنل نصيبها من تنمية حقيقية تأخذ بيدها وتجعلها جديرة بغاباتها المكللة بعبق اللزاب وعراقة السندان، وجديرة بطيب هوائها المنقى بشاشات الغيم، وموقعها العالي ومناخها العليل.
للأسف لم تبق عجلون على حالها بل تهاوت، فهي لم تنمُ كما نمت شقيقاتها محافظات أردننا الحبيب. فلا مشاريع تحييها وترتقي بها وتجدد دماءها، وتثبت شبابها فيها، ولا خدمات تدفع عجلة التقدم فيها، ولا آفاق اقتصادية جديدة تخفف من وطأة البطالة عن كواهل أبنائها.
فبعيداً عن الخطب الرنانة وهز الرؤوس وتوسيع الابتسامة، بأن كل شيء تمام التمام في عجلون وقراها، وأن الأمور عال العال، و(أن الاشياء معدن) تقول الحقيقة غير هذا تماماً. فنحن لم نصل إلى هذه الحالة الحضيضية من تردي الخدمات إلا بهذه العبارات المجاملة المداهنة.
لا . كل شيء مش عال العال. فغابات عجلون، التي هي رأس مالها، ورأس مال بلد طامح نحو الخضار. هذه الغابات ودون مبالغة وهويل في طريقها إلى الانقراض التام أمام أعين الجميع وتحت سمعهم. وفي بضعة سنين أو أدنى سيحتاج زائر عجلون إلى مظلة تظله حين تخبو الأشجار بفؤوس مافيات التحطيب وتجار الحطب.
كنت وما زلت أسمي عجلون من باب المفارقة المؤلمة (جنة الفقر)، ويمكنها أن تمحو النصف الثاني من هذا الاسم المريب والملازم لها منذ سنوات لتغدو جنة يعمرها التطور الذي يليق بجمالها وفرادتها البديعة. يمكنها أن تمحو هذا الفقر، إذا وجدت من يطبق الأقوال أفعالاً ويترجم المقترحات، والخطط في الميدان.
فهل ستصبح عجلون مدينة الندى وابنة الغيم إقليماً سياحياً متكاملاً، تضخ إليها المشاريع الإنتاجية المختلفة، التي تجعلها في مقام يليق بجمالها وبهائها. هذا الإقليم الذي وعدت بها من سنوات وآهات؟.
من باب: درء المفاسد خير من جلب المنافع، نصدح بعلو الوجع أن نحافظ على رأس مال عجلوننا: شجرها وغاباتها وطبيعتها. وإذا أهملنا هذا الشيء الجوهر والأساسي، فكأننا نبني بمعول وندمر بمعاول وجرافات. فما هي عجلون دون غاباتها؟. أرجو أن تستمعوا لدماء أشجارها قبل فوات الأوان.