د.حسام العتوم
من يتابع شأن روسيا الاتحادية في موضوع جائحة فايروس كورونا (Covid 19) من الخارج لا يشبه من يتابعها في نفس الموضوع من الداخل، وأنا متابع داخلي وخارجي، وسمعة روسيا في الخارج قوية في شأن مكافحة الجائحة، خاصة لتسابقها مع الزمن في انتاج لقاحات متعددة متفرعة من اللقاح العام الرئيسي “سبوتنيك V” المتفوق عالميا، بسبب حمله للفايروس الميت في داخله، ولتوزيعه عالميا على شكل عقود تجارية وصداقات دولية وتعاون طبي. لكن تصاعد رقم كورونا في الآونة الأخيرة في روسيا وتراوحه بين 20 الى 34 ألف حالة يومية مقسمة على عدد سكان يقترب من الـ 150 مليون نسمة، وعلى مساحة جغرافية تزيد عن الـ 17 مليون كلم2، ووفاة حوالي 7 آلاف مواطن روسي جراء كورونا في الآونة الأخيرة، ووصول نسبة متلقي اللقاح سبوتنيك إلى 40% فقط، يثير تساؤلات وسط الشارع الروسي العريض، وكل من يتابع الشأن الروسي من الخارج. وحاليا أصبح رقم كورونا في العاصمة موسكو مثيراً للقلق، وفي مدينة فارونيج جنوبها، وفي محافظتها، وأرقام حديثة تتحدث عن حدوث 17262 ألف إصابة كورونا في روسيا، و453 حالة وفاة، و78 حالة وفاة كورونا في موسكو لوحدها، إلى جانب 3.89% حالة كورونا متحورة في العاصمة موسكو حسب عمدتها سيرجي سوبيانين، وزيادة عدد الأسرة في المستشفيات إلى 20 ألف سرير، واستدعاء للإحتياط من الأطباء المتقاعدين. وتوجه روسي لخلط لقاح سبوتنيك بغيره الأجنبي لضمان الحصول على نسبة فاعلية عالية. والمعروف بأن فايروس كورونا حط رحاله الأولى في روسيا في منطقة سيبيريا بتاريخ 31 يناير 2020.
والملفت للانتباه في الداخل الروسي، هو تميز المستشفيات العامة والمراكز الطبية الخاصة بدقة التعامل مع جائحة كورونا وباحتراف، وتطبق المؤسسات الحكومية والخاصة اجراءات الفحوصات الطبية الخاصة بكورونا وبطريقة ديمقراطية غير ملزمة، والأمر نفسه ينسحب على الشارع الروسي غير الملتزم بالكمامة ولا حتى باللقاح وبنسبة مئوية ملاحظة. ورغم إعلان الرئيس فلاديمير بوتين تعاطيه اللقاح (سبوتنيك v)، ودعوته لشعوبه لكي تقتدي به، لا زالت نسبة من الأطباء الروس غير مقتنعة باللقاح، ويصطفون إلى جانب المواطنين الرافضين له، بسبب عدم مقدرتهم رؤيته بالعين المجردة، ولكون أن الدستور لا يلزمهم بشيء، ولا حتى البرلمان (الدوما). ويعتبرون حرية التعامل مع خطورة فايروس كورونا (ديمقراطية) مشروعة، ويتبادلون المصافحات والقبلات علنا في الميادين والساحات والشوارع والمولات، غير آبهين بكورونا وتأثيراتها السلبية الخطيرة على سلامة المجتمع الروسي بالمجمل.
وخطورة كورونا في الوسط الروسي، تنتشر أكثر وسط الاكتظاظ السكاني في العاصمة موسكو أولاً والتي يتجاوز عدد سكانها العشرين مليون إنسان، وسجلت محافظة فارونيج جنوبها النسبة التالية الأكبر، وشملت القرى المتلاصقة والمتلاحمة والتي لا تلتزم أيضا بقواعد السلامة العامة. كما أن هناك حديث في الداخل الطبي الروسي عن عدم كفاية اللقاح الروسي لكل مواطني روسيا، وهو أمر مستغرب لمحدودية عدد سكان روسيا كما أسلفت هنا أعلاه.
والسؤال العريض الممكن طرحه هنا هو: لماذا لا تستفيد روسيا الاتحادية من تجربة حليفتها الصين الشعبية في مجال مكافحة جائحة كورونا الخطيرة؟ وهي التي يقارب عدد سكانها المليار ونصف المليار إنسان، وتمكنت من السيطرة على الجائحة، رغم ظهور بؤرتين جديدتين في مدينتي فوجيان وتشونغتشينتغ إلى جانب مصدر كورونا الأول عندهم في مدينة ووهان. واتهام صيني للجيش الأمريكي بصناعته. ومن أساليب الصين العلاجية في مواجهة كورونا عزل المدن عن بعضها البعض خاصة الموبوءة منها، وفي المقابل اللقاح الروسي متفوق عالميا ولا يقل شأنا عن نظيره الصيني، ودول عالمية عديدة تتسابق للحصول عليه. ولا بد من دور متقدم للإعلام الروسي في توجيه شعوب روسيا لكي تُقدم بشجاعة على اللقاح الروسي نفسه، ومطالبات شعبية روسية بفتح الحدود أمام اللقاحات الأجنبية الناجحة في مجال التصدي لفايروس كورونا، وضروري فرض عقوبات وسط الشارع الروسي على عدم الملتزمين بإرتداء الكمامات وبالتباعد الجسدي كما يجري في العالم، والنصح بالمحافظة على النظافة الجسدية خاصة نظافة اليدين.
وفي المقابل أيضاً، فإن انتشار جائحة كورونا في روسيا وبتسارع صوب الذروة يلحق الضرر لا محالة بالإقتصاد، وبالسياحة تحديدا، وبمسار التعليم، و بالمؤتمرات الوجاهية الدولية التي تعقد دورياً في روسيا وبالعاصمة موسكو عديدة السكان والمتصاعدة في أرقام كورونا، وكذلك بالمستشفيات الحكومية التي لا تمتلك قدرة كبيرة على استيعاب المرضى بسبب قلة عدد الأسرة اللازمة، وحتى على صعيد وحدات العناية المركزة ICU، وثمة فرق بين الرسم البياني لكورنا في الأعوام 2019 و 2020 و 2021، وهو في تصاعد مستمر، ويزداد خطورة على مستوى عدد الأصابات والوفيات. ومثلما يلتقي الرئيس بوتين شعبه كل عام عبر مؤتمر صحفي- إعلامي متلفز وفضائي، حول مختلف القضايا العالقة في روسيا، حري بقصر الكرملين أن ينظم لقاءً مماثلاً مع المحافظين في مناطقهم للحديث معهم ومحاسبتهم حول إخفاقهم في معالجة جائحة كورونا في الميادين الروسية مباشرة، وحول احتياجات مدن الدرجة الثالثة والقرى التي تعاني ضائقة اقتصادية من زاوية ارتفاع أسعار المحروقات والغاز، ومن ضعف الرواتب الحكومية والتقاعدات، ومن غياب تعبيد شوارعهم الداخلية بنسبة مئوية مرتفعة وخلوها من إشارات المرور الكافية، ومن الأنفاق اللازمة، وحتى من مراكز تنظيف الملابس وكيها “دراي كلين”.
وتركيا في الجوار الروسي جنوبا، خير مدرسة في مكافحة كورونا، والتزام صارم لديهم باللقاحات والكمامات، وتشديد في مجاله على ضيوف تركيا ومنهم الروس، حرصا منهم على تنمية السياحة التي يتميزون بخدماتها، وعلى سمعة بلدهم التي فتحت أبوبها لكل العالم للتجارة والسياحة وللإستثمار ولطلب العلم والمعرفة. وإيطاليا التي اجتاحتها جائحة كورونا أولا عام 2019 وسط أوروبا و بشراسة هي اليوم أكثر تشددا مع ضيوفها وتمارس العزل المنزلي عليهم، ولأمريكا تجربة قاسية مع فايروس كورونا وتمارس التشدد تجاهه، وسبق لروسيا أن قدمت مساعدات على شكل لقاحات للهند وبكميات كبيرة، وهي التي عانت من كورونا بدرجة ملحوظة. وهبطت روسيا بطائراتها الطبية المكافحة لكورونا في أمريكا أولا، ثم في إيطاليا ثانيا، عندما اشتد سعير فايروس كورونا الخطير القاتل عندهم، فلماذا لا تنجح روسيا الاتحادية صاحبة الأمكانات الطبية والمادية والدستورية والبرلمانية العملاقة في تطويق جائحة كورونا بنسبة مئوية عالية، وتعمل على توفير اللقاح لجميع مواطنيها، وتلزم الشارع الروسي بالكمامة والتباعد ؟ دعونا نتأمل!!