يسيطر اليوم على العالم خبرٌ رئيس، يحظى بأهمية بالغة لكل سكان الأرض، وتتزاحم الأخبار المتعلقة بهذه الجائحة العالمية، حيث تتنوع بين أن تكون أخباراً طبية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو دينية، أو طب شعبي، كلها تصب في محاولة تشخيص الداء والدواء، أو التماس مع الحالة النفسية، أو الاجتماعية لبني البشر، جُلّها يُغرق في التفاؤل، وبعضها يصب في خانة التشاؤم، وتتسارع وتيرة الإجراءات في الدول المختلفة، حد إعلان حالة الطوارئ، وينغلق العالم اليوم على نفسه، حيث توقفت حركة الانتقال المجنونة التي كانت سائدة من قبل.
تتابع العيون في شتى بقاع الأرض أخبار الجائحة، وأرقامها المتغيرة، والمتسارعة، كما شاشة البورصة العالمية، فتقفز أرقام الإصابات، والوفيات، والمتعافين، مع ما يصاحب ذلك من قصص إنسانية مؤثرة، ويرقب الناس كل ذلك بكثير من القلق، وقليل من التفاؤل، ويُخشى أن تستمر هذه الحالة الإنسانية الفريدة إلى أمد غير معلوم.
في ظل توارد الأخبار الكثيفة، وتنوعها، واختلاف مصادرها، وهويتها الصادرة عن جهات رسمية، أو ما تزخر به مواقع التواصل، هناك إجماع لا أحد يحيد عنه، وهو أن زمن ما بعد جائحة كورونا قد ينقلب على زمن ما قبلها، وأن هناك تغيرات كبيرة، أو كثيرة، سريعة، أو بطيئة، ستضرب بعمق في أرجاء الكوكب.
من ضمن هذه التوقعات حول هذه التغيرات قد تطرح أسئلة كبيرة مثل: هل ستتغير النظرة المتبادلة النمطية بين الشرق والغرب، فلا يعُد الشرق أرض الخرافات، وحكايا ألف ليلة وليلة، مقابل أن الغرب لا يعُد صانع المعجزات، وراعي الإنجازات؟
هل ستتغير النظرة التقليدية بين اتباع الديانات، ويكسب المسلمون بعد هذه الجائحة، فلا يعودون رعاة الإرهاب -كما يوصمون- خاصة في ظل مساهماتهم وتضحياتهم لانتشال الإنسانية من نكبتها؟
وهل تتغير الأحلاف القائمة، وتنفرط التجمعات والاتحادات، بناءً على ما قابلته كل دولة، خاصة تلك التي وصفت بالموبؤة من تعاون في ظل الضائقة التي واجهتها في هذه الازمة الفريدة؟
هل ستتصرف كل دولة بقرارها من جهة غلق مطاراتها وحدودها، أو فتحها، دون النظر لاعتبارات شركاءها في الاتحاد أو الإقليم، مما قد ينتج عنه تنافسات أو انفراطات في العقد؟
هل تتبدل تراتبية الدول من حيث تصنيفها فتتزحزح القائمة خاصة في الرأس؟
هل تُرجّح جائحة كورونا كفة الديمقراطيات أم تميل لصالح السلطات المستبدة؟
التفت كثير من الناس إلى الماضي في محاولة البحث عن ظروف أو أزمات مرّ بها العالم مشابهة لما نحن فيه اليوم، ويعتبر البعض أن أخر أكبر أزمة عالمية كانت في عام (1945)، أي في أواخر الحرب العالمية الثانية، والضربات النووية الأمريكية لليابان، بقصد إنهاء الحرب أو تقصير أمدها.
في تللك الأزمة التي لم تكن بامتداد الأزمة الحالية، جرت تغيرات عالمية ضخمة، فمثلا غربت الشمس عن إمبراطوريات عظمى، لتعود دولا بأدوار متواضعة، كما حدث مع فرنسا وبريطانيا، وأشرقت على الساحة شمس دول عظمى تشكلت من اتحادات جديدة، فقامت الولايات المتحدة بتحالف (50) ولاية، وكذلك الاتحاد السوفياتي الذي قام باتحاد (15) دولة، وبالرغم من اشتعال الحرب الباردة بينهما لعقود، إلّا إن الإنسانية خرجت من تلك الحقبة قوية، وبمزيد من النهضة والتقدم المادي والاقتصادي، وكانت وجهة الحياة تتجه دائما لزيادة رفاهية الإنسان، حتى سقط السوفيات دون حرب، وانفرد طرف وحيد بفرض ما سماه العولمة، بغرض تمكين نهجه وحضارته على العالم، بل إن الدول المنهزمة في الحرب استطاعت أن تلم شملها وتنهض من جديد.
تشكل جائحة كورونا اختبارا جادا للإنسانية جمعاء، بأكثر من جانب؛ فالبحث عن الترياق الشافي وإنتاجه، كما التعاون والتماسك بين الدول في جهات العالم المختلفة، مثلما أن تبادل المعلومات بشفافية، والاستفادة من تجارب بعضها البعض في مكافحة هذا الوباء، والعمل على اغلاق بؤر الصراع في العالم، والتي تزيد عن عشر منها ثلاث عربية، كما أن مساندة الدول الفقيرة في صمود نظامها الغذائي والصحي، وتسخير جهد البشرية في العمل على حل مشاكل الناس في أرجاء الأرض، والتوقف عن المشاريع الخيالية، أو انتاج الأسلحة الفتاكة بمختلف اشكالها وأنواعها، كل ذلك وغيره قد يساهم في إخراج البشرية من هذه الجائحة أقوى وأفضل مما كان عليه من قبل.
الدوحة – قطر