أ. سعيد ذياب سليم
هل يمكن أن يكون المعلم قدوة لطلابه؟
دار حجر الرحى فوق رأس المعلم، في الأيام الأخيرة، فهو موضوع الساعة، تطرقت إليه أحاديث السهرة الأسبوعية التي جمعتنا والأصدقاء، أباء وأمهات، فبيننا وبين نهاية العام الدراسي أيام قليلة، ولا تكف وسائل الإعلام حديثها عن حقوق وواجبات المعلم، بين أن يتحمل مسؤولياته -التي باتت مدار شك- في أداء دوره كحِرَفي مختص في مجال معين، وبين أن يكون مربيا أو مثالا حيا “Ideal” يحتذى به. كان الموضوع الذي سيطر على الجلسة هو: هل يمكن أن يكون المعلم قدوة؟
وكعادته صديقنا – مثير الجدل- طرح سؤاله موجها دفة الحديث فقال:
– إذا تقدم أحد المعلمين لابنتك، هل ترضى به عريسا لها؟
• طبعا لا.
– ولمَ، وقد ناسبت معلما وصادقت معلما و …؟
• لأن المعلم اليوم لم يعد ذلك المعلم الذي كان ، شخصية جامدة ، تحيط بها التناقضات ، قلبه في جهة و عقلة في جهة أخرى، يركض فوق حد السكين، تلاحقه ذئاب الفقر والحاجة، يحمل درجته العلمية و ليس له حظ منها إلا ثيابها.
– وقول شوقي فيه … كاد المعلم أن يكون رسولا؟
• سيدي، ما أجزم به أن شوقي لم يقصد ما فهمناه ولا أراده، هو مجرد مدرس لمادة، صاحب مهنة مثل الطبيب أو النجار أو الصيدلي او الميكانيكي….ليس قدوة لأحد ولا يستطيع.
وهكذا انقسم الحضور بين مؤيد ومعارض، فإلى أي حد جانبنا الصواب؟
حدثنا معلمنا في المرحلة الإعدادية عن حادثة حصلت معه أثناء تدريسه للغة الإنجليزية في إحدى الدول العربية، سمع صراخا في أحد الصفوف ليكتشف أن خلافا حدث بين تلميذين، قام أحدهما بقلع عين الآخر بقلم الرصاص، فاستطاع هذا المعلم أن يعيد عين التلميذ ببطن كفه، فأنقذه، فأصبح معلمنا بطل القرية ومستشارها الطبي، بعد أن مدحه الطبيب لسرعة تصرفه، هل يمكن بذلك أن يكون طبيبا؟ ربما يقدم بعض الإسعافات الأولية في حالة الإصابة، لكن أن يقوم بدور الطبيب! طبعا لا.
هكذا يرى بعض المعلمين أنفسهم، فهو يخرج من إطار حصة الفيزياء – مثلا- ليصبح محام قانونيا، ويخرج من إطار حصة الرياضيات ليصبح مؤدبا وقائدا روحيا، وفي حصة اللغة العربية يقدم توجيهات عاطفية، أو أن يشرح التاريخ حسب آرائه الشخصية، فإن كان غير معدا إعدادا جيدا ليقوم بمهمته ،فذلك عبث في أدمغة أبنائنا، يغرس في عقول تلاميذه معارف ناقصة بعيدة عن النهج العلمي، تساهم معه في ذلك المعاهد و الجامعات التي تخرج منها.
ماذا نقدم لهم، وكيف يكون أداؤنا، أمام أعينهم التي تبدو كالنوافذ الصغيرة، يطلون علينا من خلالها ببراءة، هل نقوم بعملنا بأمانة وجاهزية كاملة؟ ونقدم لهم المادة التعليمية، مفاهيم ومهارات وأساليب حل المشكلات بالطريقة العلمية، تتفق مع ما تعلمناه في دراستنا الجامعية، هل نحن مؤهلين للقيام بذلك أم تنقصنا أساليب التدريس الحديثة؟ ومتى تُعَدّ معلوماتنا قديمة ولا تتفق مع العصر؟
في كتابه “صدمة المستقبل” كتب “ألفين توفلر”: إنه من المصطلح عليه في مصانع “وستنجهاوس” أن ما يسمى “نصف عمر” المهندس المؤهل لا يزيد عن عشر سنوات- أي أن نصف ما تعلمه يصبح قديما “outdated” خلال عشر سنوات).
بينما قدّر “دونالد هيب” “نصف العمر” في علم النفس خمس سنوات. ماذا نقول عن المعلم في هذا السياق؟ هل يستمر اطّلاعه على ما يستجد في الميدان؟ أم تقادمت معلوماته وأساليب طرحه؟ وذلك لارتباط التعليم بتكنولوجيا المعلومات، ووسائل الاتصال، من حيث معالجة المعلومة وعرضها ونشرها، والتغير المستمر الذي يخضع له المجتمع الانساني، وأثر ذلك في الاقتصاد والسياسة والآداب العامة، وما هو دور المناهج الجامدة التي يعاني بسببها كل من المعلم و الطالب؟
كثير من معلمينا آباء وأمهات، وكل منهم يربي أبناءه بطريقة مختلفة، لا شك أن الحياة تغنينا بتجاربها، لكنها تؤثر فينا ونتفاعل معها بطرق متباينة، وكل منا يضع ضوابط اجتماعية متفاوتة، صارمة في حدها الأقصى، وعلى العكس من ذلك في الجهة الأخرى، لا شك أن هناك عوامل مشتركة بيننا كأفراد مجتمع أردني له خصوصيته، وله أبعاده التاريخية العربية والإسلامية، فإلى أي حد يتدخل المعلم في التربية التي تضطلع بها الأسرة؟ والذي هو دورها الأساسي، وهل يستطيع إثارة موضوعات جدلية ومناقشتها في الصف – تلك الموضوعات التي يطرحها الإعلام العالمي– بحجة الحرية الشخصية؟
في بعض الحالات، يمكن أن يكون للمعلم شخصية ساحرة، مثقف، باحث، يعالج الأمور بطريقة الفلاسفة وفضول الأطفال، يتميز بخبرته العلمية، ومهارته التعليمية، يساوي بين الطلبة ويعلمهم كل حسب قدرته، يحبه الجميع ويحترم رأيه، وبالمقابل هناك من يتميز بشخصية جامدة، مازال يقلد أستاذه في الابتدائي منذ خمسين سنة، وبين هذا وذاك تتنوع الشخصيات.
لكن الحد الأدنى، وبعد أن يقدم للطلاب نظريات الهندسة المستوية، وطريقة كتابة المعادلة الكيميائية المتزنة -مثلا، يحتاج الطالب التعرف على الفضائل والقيم كالصدق، والدقة، والحقيقة، والبساطة، والنظافة، والوطنية، والحب والتسامح والإخلاص… التي بها يسمو المجتمع ويتطور، ويصنع بها المستقبل، فهل يمكن أن يكون المعلم للطالب مثالا حيا وقدوة؟ وهل يمكن الوصول به إلى هذا المستوى؟ وما هو دور مؤسساتنا؟