د.منصور محمد الهزايمة
وسائط التواصل الاجتماعي…ما لها وما عليها
لست بصدد الحديث عن إيجابيات وسلبيات هذه الوسائط، فهي بشقيها من البديهيات التي نسلم بها أو نستسلم لها، فالإيجابيات لا يغمطها إلاّ مكابر، مثلما أن السلبيات لا ينفيها إلاّ مُشاكل، وغني عن القول أنها سلاح ذو حدين؛ أحدهما برّاق يطل علينا بوجه مضيء، والأخر قاتم يطالعنا بما لا نهوى أو نحب.
منذ أن شهد العالم التطور التقني في كل المجالات، وخاصة في مجال الإعلام، كانت هذه التقنية تحمل في طياتها-على الدوام- بذور الخير والشر معا؛ فإمّا أن نُحسن استخدامها فتأتي بالنفع العظيم، أو أن نسيء لها فتسيء لنا.
أحدثت الثورة التقنية في حياة الناس ما يشبه الزلزال، نسبةً لتعظيمها قدراتهم على التشارك والتفاعل والتواصل، بحيث صار مفهوم القرية الواحدة متداولا، بل ومتفق عليه بإجماع نادر بين بني البشر، ولو عدنا إلى سابق العهد قبل ظهور هذه الوسائط، وحاولنا أن نقدر الوقت الذي كان يحتاجه نشر خبر ضمن حدود القرية الصغيرة آنذاك حيث قلة السكان والبيوت القريبة أو المتلاصقة وبنية تحتية بدائية، لسلّمنا تماما أن العالم من هذا المنطلق قرية بل هوأصغر منها.
لو تناولنا التسمية نفسها، وحاولنا أن نفهم المقصود تحديدا، فهذه وسائط وفرت سهولة الاستخدام، ورفاهية التواصل، فهي -فعلا- ربطت جهات العالم معا، وحملت لنا أخباره بلمح البصر، وبخصوص التفاعل فقد نافست الوسائل التقليدية بقوة، وتفوقت عليها، ومما زاد من خطورتها، أنها صارت بين أيدي أفراد عاديين، لا ينتمون لمؤسسات، أو يتحملون مسئوليات، ولا يمنعهم من حسن أو سوء الاستخدام إلّا الانتماء إلى الضمير أو الحس الإنساني أو الأخلاقي من عدمه.
توصف هذه الوسائط بأنها تواصلية، تشاركية، وتفاعلية، وعلينا أن نطالعها من خلال هذا المنظور، فأمّا التواصلية، فقد أدركها الناس من جانب، وفقدوها من جانب أخر، ففي الوقت الذي يتواصل الإنسان مع جهات القرية الأربع، فقد افقدته سهولة استخدامها التواصل المباشر مع القريبين معنويا أو مكانيا، أمّا التشاركية فقد حملت في طياتها ما هو سالب، فاليوم تتم مشاركة المنشورات دون التحقق من صدقها أو معقوليتها، ودون التوقف عند مصادرها، وبخصوص التفاعلية فللأسف الشديد فقد صارت تؤجج التناحر بين الناس دينيا أو طائفيا أو جهويا أو اقليميا أو اجتماعيا، بحيث يبدو الأمر -ظاهريا- أنه تنافس على المصداقية، لكنّ الواقع أن التدليس أضحى صناعة يجيدها الكثيرون، من أجل جمع الأصدقاء والمتابعين والمعجبين، حتى صار البعض ممن يتظاهر بشعبية أو يطلب سمعة أو يبحث عن شهرة يهتم بمتابعيه أكثر من حرصه على نشر الفضيلة أو الحقيقة، فأقام بعضهم دعاة على أبواب جهنم.
كم نحن مطالبون اليوم أن نحكِّم عقولنا وضمائرنا وشرعنا عند التعامل مع هذه التطبيقات الحديثة، التي جعلتنا نعيش حياة افتراضية، توازي الحياة الحقيقية، فكثير منا بدّل أصدقاءه الحقيقيين بالافتراضيين، واتخذ لنفسه عائلةً أو مجتمعا بديلاً، وصار التعامل مع هذه الوسائط أشبه بالإدمان، الذي قد يفصل المرء عن أهله ومحيطه.
كيف يمكن لنا أن نساهم بتداول منشورات تحمل الإساءة للغير، وتغتال الشخصية بتوحش، دون تدّبر العقل في مدى مصداقيتها، أو التحقق من مصادرها، ونتعامل معها على أنها حقيقة مسلم بها، حتى لو كانت مدعومة بالصوت والصورة والحركة، علما بأنه من السهل فبركة هذه الأشياء، ألا يدعونا شرعنا الحنيف أن نتبين قبل النقل أو التداول، حتى لا نصيب قوما بجهالة، فنصبح على ما فعلنا نادمين؟!.