رمزي الغزوي
عندما وقع الملك المعتمد بن عباد أسيراً بقبضة يوسف بن تاشفين، ذاق الأمرين بحبسه بمدينة أغمات المغربية، ولما ضاقت عليه الحال حينها؛ قالت له زوجته المدللة: والله ما رأيت معك سروراً قط؛ فتبسم.. ونظر إلى عينيها اللوزيتين طويلاً، وقال لها بحسرة دامعة: ولا حتى يوم الطين، أو يوم اللوز.
المعتمد بن عباد وهو أحد ملوك الطوائف في أندلسنا الغابرة، كان تزوج فتاةً من الشمال، حيث الجبال العالية المعممة بالثلج، ولأنه أحبها حباً جماً، فلم يكن يرد لها طلباً، أو يعصِ لها أمراً!، فعندما شطحت نفسها أن تلعب بالطين، جبل لها الحناء بالمسك والطيب والعطور وماء الورد، وقال له: دونك هذا طين يليق بك.
وحين طلبت منه أن يجلب لها الثلج حول قصرها، ارتبك كثيراً؛ فبلاده دافئة، لا يأتيها الثلج إلا نادراً، فعمد إلى زراعة كل الأراضي الشاسعة، حول القصر بأشجار اللوز!، فعندما تنوّر هذه الأشجار، تغدو بياضة واحدة، فيقول لها المعتمد: دونك يا حبيبتي، كل هذا الثلج لك!.
دعونا من الزوجات اللواتي يتناسين فضائل الأزواج وخيراتهم، فيطمرن الحسنات، ويشعن السيئات، مع أول زوبعة في فنجان تحدث بينهما!، ودعكم من العيون اللوزية أيضاً. فالرجال كذلك، في بعض أجناسهم وأنواعهم، ينسون شكل عيون زوجاتهم وألوانها، بعد أقل من بضع سنوات زواج، وقد كانوا يغرقون في بحر تلكم العيون!.
بل تعالوا للأول عطايا أمنا الأرض وثمارها، تعالوا إلى شجر طموح غافل جبهات الشتاء، وخاتل بعض خيوط الشمس من بين فروج الغيم؛ وطرح نواره المتلألئ بغتة وخلسة، وكأنه ثلج هابط من قطن السماء!، تعالوا لشجر فاجأنا بخضرته اليانعة وثماره المقرقشة سريعاً، فيما بقية الأشجار ما زالت تتبرعم ببطء على أغصانها العارية.
فيا أيها الشجر الجريء بكل شيء، الجريء بنواره وثلجه وأوراقه وثماره، أهلاً بك ايها اللوز، وأنت تتعجل ثمارك وكأنك تلهث وراء حلم بعيد لا نراه، حلم حياة أخرى، أهلاً بك أيها الشجر الذي يعلن شيبته قبل شبابه، وكأنه يحمل كفنه في بذرة ميلاده، ولهذا فأنت ككل الأشياء الجميلة في هذه الدنيا، ما أسرع ما تنقضي وتجف وتصبح ذاكرة في مهب للنسيان!.
فيا أيها الشجر الجميل، ربما فاتنا أن نتمتع بثلجك طويلاً، وبعبقك ونوارك الأبيض. ولكن لن يفوتنا ثمرك الطري (المقرقش)، فأهلاً بأول الخيرات، أهلا باللوز الأخضر، كقلوب المحبين للحياة وربيعها ونوارها. وكل لوز، وأنت بخير!!.