أردنيون يعودون لمنجل قمحهم لاستغلال المساحات بالزراعة
وليس ببعيد عن مرمى نظر من العمران الحديث والأبنية الفارهة، يعود مبادرون إلى الاتكاء على “منجلهم” لحصد قمحهم الذي زرعوه على مساحة تبلغ نحو 110 دونمات في مناطق متفرقة غربي عمان، وهي من أكثر مناطق الاردن هطولاً للأمطار، إذ تبلغ نسبة الهطول المطري فيها نحو 1000 ملمتر سنوياً، وفقا لبيانات دائرة الارصاد الجوية. وفي محاولة لاستعادة شيء من إرث الأجداد، يفيد المبادر ربيع زريقات، إن هذه المبادرة هي إحدى مشاريع “ذكرى للتعلم الشعبي”، الذي يسعى لإعادة علاقة الأردنيين بأرضهم ومواردهم، وتعزيز الاستقلالية الغذائية، مبيناً أنه يرتكز على الزراعة المعيشية وليس التجارية، اذ تُعنى بزراعة المحاصيل الأساسية والاستراتيجية التي يحتاجها الشخص للعيش، وليس لهدف لتجارة. “كان أجدادنا يعتمدون على الزراعة المعيشية وزراعة الكفاف، وقاموا بإنتاج غذائهم وبناء بيوتهم”، بحسب زريقات في حديثه لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، الذي قال ان هذا المشروع يعيد انتاج ارث الاباء والاجداد، وبدأ بزراعة القمح عام 2007 من خلال جمعية أُسّست في غور المزرعة. وتتلخص آلية المشروع لهذا العام – وفقا لزريقات- في خوض تجربة زراعة القمح من الألف إلى الياء، من خلال مساهمة نحو 60 أسرة تضم 150 فرداً، يتقاسمون جميعاً المحصول في نهاية الموسم بعد إخراج “زكاة القمح”.
ويبين زريقات أنه تم زراعة 10 قطع بمساحة كلية تقدر بنحو 110 دونمات، في مناطق (دابوق، صويلح، الهاشمي الشمالي، جلعد، الشونة الجنوبية، السلط ، الفحيص، دبين). ويستخدم الحصادون في هذه المشاريع “المناجل” بشكل اساسي لحصاد القمح، تعزيزا لدور العمل الجماعي في الأرض، والمساهمة في بناء قيم مجتمعية نبيلة، وإيجاد علاقة مع الأرض والنبات، فضلاً عن تعزيز مقومات العمل والتعاون الجماعي تحت مسمى “العونة”.
وبحسب موقع إرث الأردن، فقد ظهر في الأردن أول منجلٍ في التاريخ قبل عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، وهو رمز الحصاد ومحاصيل الخير التي تجود بها الأرض، اذ عثر باحثون في البادية الشماليّة الشرقيّة على بقايا خبز قمح ، تعود لأربعة عشر ألف عام قبل الميلاد، كما بلغ انتاج الاردن من القمح في ستينيات القرن الماضي 120 الف طن.
وتشجع إحدى المشاركات في المشروع الدكتورة لمى الخطيب، على زراعة المساحات الصغيرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي للعائلة، موضحة أن الدونم الواحد ينتج نحو 200 كيلوغرام من القمح، مستدركة انه اذا كان الهدف تجاريا فالمساحات الصغيرة غير مُجدية.
وتضيف ان القائمين على هذه المبادرة يعتمدون على الزراعة المعيشية واشراك العائلات من السيدات والرجال، وتعليمهم كيفية استثمار المساحات الصغيرة لإنتاج الغذاء من القمح “الفريكة والبرغل” وغيرها من الحبوب التي يحتاجها كل منزل. وتؤكد الخطيب ان التأييد والتشجيع الذي حصلت عليه مبادرة “حصاد القمح بالمنجل”، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، جعل المبادرة تستمر حتى الان، داعية الجميع للتوجه للزراعة، وصولاً للاكتفاء الذاتي من القمح والحبوب، ” اذ أن الأردن ينتج 4 بالمائة فقط من حاجته من القمح”. وبحسب أرقام نشرها المركز الوطني للبحوث الزراعية، بلغت المساحة “المحصودة” من القمح خلال السنوات الماضية، نحو 19 ألف دونم، أَنتجتْ نحو 21 ألف طن، فيما بلغت احتياجات المملكة من القمح 750 ألفَ طن، قد تصل إلى مليون طن في العام الواحد. رئيسة قسم الحبوب والبقوليات في المركز الوطني للبحوث الزراعية الدكتورة نوال الحجاج، أبدت استعداد المركز لدعم المبادرات الوطنية الزراعية مثل “ذكرى للتعلم الشعبي” كتوفير البذور ذات الجودة العالية، وتقديم الإرشاد عن التربة، وأي دعم يحتاجها القائمون على هذه المبادرات، معبرة عن فخرها بهذه المشروع الذي يعيد علاقة الأردنيين بأرضهم، ويسهم بحماية البيئة من التغير المناخي. ويشجع مساعد أمين عام وزارة الزراعة للثروة النباتية محمود الربيع، على هذه المبادرات، داعيا إلى زراعة القمح لغايات انتاج البرغل والفريكة. ويدعو القائمون على المبادرة إلى دعم انتشار هذا النموذج التنموي وتعميمه، وصولاً إلى زراعة أراضٍ بشكل جماعي في مختلف مناطق وقرى المملكة، لأهمية ذلك في تحقيق روح العمل الجماعي التشاركي، وتعزيز الهوية الوطنية الأردنية عبر هذا العمل