كتب سلطان الحطاب أما وقد انتهت أزمة المعلمين بالحفاظ على كرامتهم وصون حقوقهم، وقد أجرت الحكومة والنقابة تمريناً حياً من الحوارات التي أفضت الى حلول، فإن ذلك لا بد ان يورث مجتمعنا، على كل المستويات الرسمية والأهلية خبرة التعاطي مع الأزمة إادراجها في باب الانتقال من التحديات الى الفرص… فقد اثبت الأردنيون انهم قادرون دائما على اقتراح الحلول ووضعها في إطار خدمة وطنهم والحفاظ على آمنه واستقراره… ومن القراءة الأولى للمشهد الذي امتد لشهر، والذي بقيت اراهن فيه علىه قدرة مؤسساتنا الرسمية والأهلية على الخروج من الأزمة وتركها وراءها، بعد ان التقط الكثيرون أنفاسهم واجتهدوا في مستويات مختلفة الا أن البوصلة العامة بقيت بإتجاه المصلحة الوطنية، باعتبار المعلمين جزء أساسي من نسيج مجتمعنا يستحق الاحترام والحفاظ عليه حيويا نابضا بالحيوية…. ليس هذا هو الموضوع ، وإنما الدروس المستفادة فقد انبرى الكثيرون يقدمون النصائح والمشورة بعضها عابر سريع وبعضها عميق على شكل دراسة و خلاصة تجربة، وقد جاء هؤلاء المتداخلون والوسطاء والساعين بالخير من مسارب مختلفة ومن خلفيات مختلفة، واعتقد ان الدولة والنقابة استفادت كثيرا مما قدم و طرح و جرى الحديث به في وسائل الإعلام، و حتى لا يترك ذلك دون حفظ أو اعتبار أو استلهام لما سيأتي فإنني ادعوا الدكتور عمر الرزاز رئيس الوزراء الذي أحترم كفاءته وأخلاقه الى تشكيل خليه أزمة مدنية يمكن ان تجسر مع خلايا لدى الدولة في أن تستقبل افكاراً ومشاريع ورؤى و نصائح و خطط ودراسات لها علاقة بما نواجهه أو يمكن أن نواجهه من أزمات في الإقتصاد والتعليم والصحة والبيئة وحتى السلوك ، وغير ذلك من عناوين عديدة لا أوردها كلها….. وهذه الخلية التي تنبع كمهمة استشارية تطوعية لرئيس الوزراء مهمتها فرز كل الآراء الواردة عبر منصة محددة الى الجهات المعنية في الوزارات والدوائر حسب عملها… فما هو للتعليم يذهب الى الوزارة وما هو للعمل او الصحة أو حتى الأمن أو أي نشاط عام، وتكون هذه المنصة او الخلية تابعة لمكتب رئيس الوزراء… وأننا بحاجة الى خبرات وتراكمها والاستفادة منها وجمعها كما تجمع مياه المطر التي تبدد العطش.. فإن أحسنا جمع الافكار والأفكار هي الاساس دائما في الحل، فإننا نكون قد اسندنا المسؤول في مجاله بأفكار قد يستفيد منها حتى ينفتح عليها بالحوار، فالوزراء ليسوا علماء في كل المجالات ولكن مجتمعنا يختزن علماء ومعارف هامة وعميقة لن يتردد أصحابها في تقديمها كمشورة حين يرون بلدهم بحاجة الى ذلك… ما دفعني لقول هذا نموذج رأيته على الفيسبوك من اقتراح صديق هو معالي مالك حداد وزير النقل الأسبق في رؤيا كتبها باختصار …وأرجو أن يتوسع فيها حين أراد الإجابة على السؤال الحكومي المعلق الذي قال: كيف يمكننا ان نوفر المبلغ المالي الذي تتطلبه زيادة رواتب المعلمين؟ وقدرات الحكومة ان ذلك يأتي من الاقتراض و انها ستعمد الى ذلك من وزير المالية.؟.. حداد يرى أن ثمة ثغرات واسعة يمكن من خلالها توفير المبلغ دون أن أسأله أنقل بعض آراءه التي اتمنى ان يفصلها…فهو يرى على سبيل المثال ان العمالة المصرية الوافدة يتجاوز الـ (700) الف عامل، وأن المكلفين بالإقامة فيهم لا يتجاوز نصفهم وان البقية لا تدفع فإن أحسن عملية حصرهم وتكليفهم عبر وسائل عديدة تتعامل فيها جهات عدة مع وزير العمل الذي وصفه مالك حداد بأنه نشط ومثابر ويريد العمل ولديه خطط عملية خاصة بعد ميثاق العمل الذي جرى إنجازه… فهؤلاء المتهربين من التصاريح والذين قدرهم حدا د بأكثر من مائتي الف اذا ما ضربوا في 500 دينار فإن ذلك يصل الى 200 مليون دينار، فإذا افترضنا أمكانية جمع هذا المبلغ بـ 200 مليون إضافة الى ما ذكره من وجود 16000 الف باكستاني في الزراعة في الأغوار وهناك ما قال أنه أكثر من من 70الف من الخادمات اللواتي لا تؤدي بدل الإقامة منهم اكثر من 30 % في حين يعمل اكثر من 20الف خادمة اعمالا حرة خارج بيوت المستخدمين بعد فرارهم من الكفالة والعمل في المطاعم والملاهي وأعمال اخرى، فإن المبالغ ستتوفر بشكل مضاعف….. حداد يرى أنه لو كانت الرؤية الحكومية أوسع لزيادة رواتب الموظفين الحكوميين الذين قد يطالبون بعد نجاح المعلمين في مطالبهم فإن ذلك قد يصل الى ربع مليون موظف في القطاع ا العام نصفهم من المعلمين واذا ما انسحبت كلفة زيادة المعلمين على هؤلاء فإن المطلوب عندها توفير حوالي (230) مليون وهذه يمكن جمعها من الموارد المذكورة سابقا من إقامات لم تدفع وتضيع، خاصة وان الاعفاء اسقط السنة الماضية الملايين من المطالبات التي سبقت ذلك الاعفاء.. ويرى حداد أنه يمكن وضع ضريبة أضافية على تحويلات الوافدين وهي بالملايين اذ انهم يخضعون للضمان الاجتماعي وحين يغادرون يأخذون مستحقاتهم ويحولونها دون ان يدفعوا أي ضريبة.. فلماذا لا توضع ضريبة بنسبة ما على تحويلات المغتربين؟ ويرى حداد ان هناك موارد أخرى قد لا يحس بها المواطن الموظف حتى ان اقتطعت لتوفر مبالغ الزيادات، وهو يضرب على ذلك رفع الدعم عن بعض السلع قليلا لأن الموظف سيتقاضى زيادة ووضع ضريبة إضافية على سلع كمالية جدا يستهلكها الأغنياء الذين ما زال أكثرهم يحصل على اعفاءات لعلاجه وتدريس ابنائه في الجامعات وهو أمر غير مفهوم حين يتعالج أحدهم بكلفة تصل الى مائة الف دينار، كما تحدث وزير الصحة بحرقة قبل أيام دون أن يدفع رغم أنه مقتدر، ورجل أعمال كبير وحصل على إعفاء بمجرد الكتابة إلى جهة معنية . أن إعادة تنظيم واقعنا واقعنا اسهل بكثير لجهة ضبط الأنفاق ومساعدة الفقراء من استمرار الضغط على الشرائح الفقيرة التي لن تبق صامتة وعندها لا ينفع العليق حين الغارة…. يجب ضغط الأنفاق على المعالجات والذي يصل لأكثر من مائتي مليون او أقل ليصبح في مستوى لا يتجاوز 100 مليون ووزير الصحة لديه تصورات في هذا الجانب ، وعلى الحكومة ان تستمع له وأن تمكنه من تقديم برنامجه ورؤيته وأن تمكن غيره في إطار الحكومة وخارجها من تقديم تصوراتهم ورؤيتهم فضغط الأنفاق هو الطريق لتحصيل أموال يعاد وضعها في المكان الصحيح الذي يجب أن تنفق فيه، حتى لا تبقى القربة “مخزوقة” ونظل نشكو ضيق الحال والقول (من وين نجيب) ونحن نرى نزيف الأنفاق الباذخ!! لا أريد ان أطيل في ضرب الأمثلة العديدة، والحديث عن ضرورة أعادة ترتيب بيتنا الأنفاقي العام بعد ان وصلنا قاع البير، وهناك من يقول ويحلف انه لن ينزل… نحن بحاجة إلى فريق مع الرئيس ليستطيع تحقيق مثل هذه الأفكار وأن لا يقف عاجزا يبحث عن اغطية مالية رغم أنه لدينا الكثير الذي يمكن ان نفعله ونعيد تدويره… بقي أن اقول أن ما قدمه معالي مالك حداد جدير الأخذ به وهو نموذج يستطيع كثيرون أن يقدموا حتى أفضل منه، فلماذا لا نسمعهم ولا نستقطبهم ونستدعيهم .. تلك مهمة الخلية التي دعوت دولة الرئيس لإقامتها ويضع مكتبه ليكون جامعا للأفكار المطلوب تمحيصها وفرز الغث من السمين منها وشكر كل من نجحت فكرته او ساهم في خدمة مجتمعه…