انجاز- ايمن عبدالحفيظ
في الخامس عشر من شهر أكتوبر 2017، جرت في قرغيزستان الانتخابات الرئاسية. وكان من الممكن ان تشكل فرصة تاريخية للانتقال السلمي للسلطة وانهاء عصر من عدم الاستقرار.
والانتخابات وهي الأولى التي تجري في البلاد منذ تولي الرئيس المنتهية ولايته مهامه، سيتم تأريخها، باعتبارها الأكثر غموضا “ليس في سجلات قرغيزستان وحدها بل في عموم منطقة وسط اسيا”.
ووفق مصادر قرغيزستانية طلبت عدم الكشف عن اسمها، فان مسألة نزاهة الانتخابات الرئاسية في الجمهورية ظهرت بقوة خلال الحملة الانتخابية.
ففي مختلف انحاء قرغيزستان تم توثيق وقائع غير قانونية ومخالفات خلال الحملة الانتخابية. وهو الامر الذي دفع أعضاء حركة (من اجل انتخابات نزيهة) التي تضم سياسيين وشخصيات حكومية ومدنية للتوجه لرئيس قرغيزستان، وللجنة الانتخابات، ورئيس الوزراء، للتحرك واتخاذ الخطوات اللازمة لوقف المخالفات، ولكن دون طائل.
ان هذا الامر ليس بالمستغرب، فلطالما مارس كبار المسؤولين في قرغيزستان الضغوط لصالح هذا المرشح او ذاك.
ومن المؤكد فان الرئيس المازبك اتامبايف ورغم موقعه الذي يفرض عليه ان يكون على درجة كبيرة من الحياد من جميع المرشحين، الا انه انحاز وبشكل علني لمرشح حزبه الاشتراكي الديمقراطي، رئيس الوزراء السابق، سورونباي جينبيكوف، وهو الامر الذي يشكل مخالفة فاضحة لقانون الانتخابات في قرغيزستان.
ويبدو ان السلطات المحلية في قرغيزستان وتحت ضغط القيادة الحالية انخرطت هي الأخرى في حملة التحريض، وأصبحت أداة في هذه الحملة.
وفي جلسة لبرلمان الجمهورية تم عرض تقارير مثيرة للقلق حول ممارسات في بعض المناطق، ومنها إزالة يافطات وشعارات سياسية بناء على أوامر السلطات المحلية، وحظر اجتماعات مع ناخبين، واغلاق مقار مرشحين كانوا على عدم وفاق مع السلطات. “وكلهم وبالصدفة من المنافسين الرئيسيين لسورونباي جينبيكوف”.
ان وصف هذه الممارسات بانها “فردية” ولم تكن بتحريض من قوى عليا هو “حجة ضعيفة”.
هناك فضيحة أخرى تزامنت مع الانتخابات، وهي اعتقال احد أعضاء لجنة (جوغوركو كينيش) بتهمة الاشتباه بالتحضير لانقلاب حكومي.
ان اعتقال كاناتبيك ايسايف المقرب من زعيم حزب (الجمهورية) عمربيك بابانوف الذي يعد المنافس الرئيسي لجينبيكوف ما هو الا دليل اخر على تدخل وممارسات ان الامر لم يكن مصادفة؟
لقد تم توجه التهم لايسايف دون اظهار دلائل وقرائن، والمثير للاهتمام ان الاعتقال تم عندما أظهرت استطلاعات الرأي انخفاض شعبية جينبيكوف.
وبالتزامن مع هذه الوقائع كان هناك مئات المخالفات، منها نشر اخبار تروج ودون الاستناد لمصدر موثوق حول انسحاب مرشحين من سباق الانتخابات، او الإعلان عن تحالفات بين قوى سياسية.
كما شهدت الحملة الانتخابية تهديدات مارسها مرشحون ضد بعضهم البعض، وملاحقة صحفيين حاولوا الغوص بتفاصيل هذه الانتخابات وفضح المخالفين. وطرح العديد من الأسئلة والمواد التي تكشف التجاوزات.
كما ان وسائل الاعلام خاصة (التلفزيون والراديو) الحكوميين نشرا موادا سلبية، وغالبا ما تكون كاذبة، حول المنافسين لمنصب الرئيس، وتم ذلك كما هو واضح بمشاركة مسؤولين رسميين.
وفي ظل هذه الممارسات كان منطقيا ان يرفض وفد من المراقبين المشاركة في مراقبة هذه الانتخابات.
ولكن وكما اتضح فيما بعد كانت كل هذه الممارسات عبارة عن “احماء واستعداد” للحدث الرئيسي وهو عملية الاقتراع التي لم تكن مسبوقة في عدد المخالفات.
وشملت المخالفات، تعبئة أوراق الاقتراع، ووقف الدعاية الانتخابية في يوم الاقتراع، والتصويت باستخدام وثائق تعود لاشخاص اخرين.
كما شملت المخالفات محاولة احد السكان المحليين القاء 20 ورقة انتخابية في صندوق الاقتراع، فيما كرر عضو لجنة اقتراع نفس الممارسات بمحاولته دس 56 ورقة اقتراع في صندوق الانتخاب.
هذه بعض الممارسات التي تم توثيقها، ولكم ان تتخيلوا حجم المخالفات التي لم يتم كشفها.
عند الاخذ بالاعتبار وجود كل هذه الممارسات، فان الانتخابات الرئاسية في قرغيزستان لا يمكن الاعتراف بها على انها شرعية.
كما ان المجتمع الدولي مطالب بإعادة اجراء الانتخابات وتوفير ظروف مناسبة باشراف دقيق من مراقبين دوليين بعيدا عن نفوذ القيادة الحالية للجمهورية.