واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، شبهات بتلقي “هدايا مخالفة للقانون”، ما قد يهدد مستقبله السياسي، على الرغم من عدم وجود أي منافس حقيقي له في الدولة العبرية.
واستجوبت الشرطة الإسرائيلية نتانياهو في مقر إقامته في القدس المحتلة على مدى ثلاث ساعات مساء الاثنين وذلك بشبهة تلقيه “هدايا خلافا للقانون” من رجال أعمال أثرياء.
وكانت الشرطة تجري تحقيقا استمر لأشهر، وأصبح اليوم تحقيقا جنائيا. وأثار استجواب نتانياهو ضجة كبيرة في الساحة السياسية الإسرائيلية، مع تساؤل البعض إن كان هذا سيؤدي إلى سقوطه.
ونفى نتانياهو في شريط فيديو نشره على موقع فيسبوك أي تورط له بالفساد. وقال “نسمع كل تقارير الإعلام، ونرى ونسمع الأجواء الاحتفالية في استوديوهات التلفزيون وفي أروقة المعارضة”.
وأضاف “أريد أن أقول لهم إن عليهم الانتظار من أجل الاحتفال. لا تتسرعوا. قلت لكم وأكرر لن يكون هناك أي شيء لأنه لا يوجد أي شيء”.
لكن المحللين يرون أن هذا التهديد يبدو أكثر خطورة من قضايا سابقة.
وتقول غاييل تالشير، الأستاذة في العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، إنه “في المرتين السابقتين اللتين كانتا في الإطار نفسه، حاول القول أنتم تلاحقون زوجتي، وتلاحقون حياتي الخاصة، هذه طريقة غير قانونية لعكس نتائج انتخابات ديموقراطية”.
وأضافت “أعتقد أن استراتيجيته ستكون نفسها، إلا أن الأمر يبدو أكثر خطورة هذه المرة”.
ولا تتوفر معلومات كثيرة عن التحقيق الذي يشرف عليه مدعي عام الحكومة افيخاي ماندلبليت.
ويجبر القانون الإسرائيلي أي عضو في الحكومة بما في ذلك رئيسها على الاستقالة في حال وجهت إليه رسميا تهمة فساد.
وكانت وسائل إعلام أفادت أن نتانياهو تلقى هدايا بقيمة عشرات آلاف الدولارات من رجلي أعمال إسرائيلي وأجنبي مقربين منه.
وبين الذين تم التحقيق معهم، الملياردير الأميركي اليهودي رونالد لاودر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي خلال زيارته لإسرائيل، للمشاركة في جنازة الرئيس السابق شيمون بيريز في 30 من أيلول (سبتمبر) الماضي.
وكان رجل الأعمال الأميركي، الذي أسست عائلته امبراطورية “ايستي لاودر” لصناعة مستحضرات التجميل، مقربا من نتانياهو الذي كلفه في التسعينيات التفاوض مع الرئيس السوري حافظ الأسد نيابة عن إسرائيل.
وكان رئيس الوزراء أقر بأنه تلقى مالا من رجل الأعمال الفرنسي ارنو ميمران الذي حكم عليه في تموز (يوليو) بالسجن ثمانية أعوام في قضية احتيال بقيمة 283 مليون يورو.
وأكد مكتب نتانياهو أنه تلقى مبلغا بقيمة 40 ألف دولار أميركي في العام 2001 من ميمران عندما كان منسحبا من الحياة السياسية، ولكنه كان يقوم “بمداخلات إعلامية وعدة رحلات إلى الخارج لصالح دولة إسرائيل”.
وأثارت هذه المزاعم شهية كافة خصوم نتانياهو، بانتظار إشارات محتملة حول تراجع دعمه لدى الرأي العام.
وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن الإسرائيليين يعتقدون أن نتانياهو، الذي يقود الدولة العبرية منذ العام 2009، ما زال السياسي الأكثر قدرة على إدارة شؤون البلاد. ولا يوجد أي منافس حقيقي لـ”بيبي” على الساحة.
وقالت الاستطلاعات إن حزب الليكود اليميني الذي يتزعمه نتانياهو قد يأتي في المرتبة الثانية بعد حزب “يش عتيد” (هناك مستقبل) الوسطي، بينما لا يزال الناخبون يفضلون نتانياهو كرئيس للحكومة.
ويرى المحللون أن السبب هو أن الناخبين لا يرون أي بديل حقيقي لنتانياهو، إلا أن هذا قد يتغير في حال تم تنظيم حملة انتخابية.
ويقضي سلف نتانياهو، رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت منذ شباط (فبراير) الماضي حكما بالسجن لـ27 شهرا بعد إدانته بالفساد.
واضطر أولمرت إلى الاستقالة بسبب هذه الاتهامات.
وأولمرت أول رئيس للحكومة يدخل السجن إلا أنه في السابق تم سجن وزراء ومسؤولين سابقين بتهم فساد.
وأكد عاموس عسائيل، وهو معلق في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية الصادرة باللغة الإنكليزية، ومدير تحريرها السابق إنه “مع إيهود أولمرت، كانت هناك لحظة تخلى فيها أتباعه عنه لأنهم اقتنعوا بصحة الادعاءات”.
وتابع “لا أرى ذلك الآن مع رئيس الوزراء نتانياهو”، إلا أنه حذر من أن الكشف عن المزيد من المعلومات قد يغير مجرى الأمور.
وتغلب نتانياهو وعائلته في السنوات الماضية على العديد من المشاكل القانونية والاتهامات المماثلة.
وفي العام 2000، قررت النيابة العامة أنه لا يوجد أدلة كافية لاتهام نتانياهو وزوجته سارة بعد تحقيق حول الاحتفاظ بهدايا قدمت لنتانياهو خلال ولايته الأولى كرئيس للوزراء في الفترة بين 1996 و1999.
وشمل التحقيق أيضا قيامهما بالتعهد لمقاول في القدس بدفع أموال عامة له لقاء إجرائه تصليحات على مسكنهما الخاص.
وبعد تأكيد ماندلبليت مساء الاثنين التحقيق مع نتانياهو حول الهدايا، نشر لائحة باتهامات أخرى أسقطها المحققون.
وتم استجواب زوجة نتانياهو سارة في في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بشأن إمكانية أن يكون الزوجان استخدما أموالا عامة لأغراض خاصة.
ونتانياهو (67 عاما) موجود في السلطة حاليا للولاية الرابعة، منها ثلاث متتالية، مقتربا من الرقم القياسي الذي حققه ديفيد بن غوريون كأطول مدة لرئيس وزراء في إسرائيل بعد أن استمر في منصبه 13 عاما.
ولكن مهارات نتانياهو للبقاء ستخضع للاختبار في حال نشر المزيد من التفاصيل حول التحقيق.
وكتب حيمي شاليف في صحيفة هارتس اليسارية أن نشر مثل هذه التفاصيل قد “يضرب شخصيته العامة وقد يظهره بصورة يائس يسعى للحصول على امتيازات”.
وأضاف “عندما يحدث ذلك، فإن نتانياهو سيدخل في موت سياسي وستفوح رائحة انتخابات جديدة في الأفق”.