الدكتور حسان محمد العسوفي باحث خبير- المركز الوطني للبحوث الزراعية
على الرغم مما حققته المبيدات من نجاح في مكافحة الآفات الزراعية, إلا أن استعمالها المكثّف وواسع النطاق تسبب في ظهور العديد من المشاكل البيئية وتطور في سلوك الآفات الزراعية والتأثير على سلامة الغذاء؛ الأمر الذي جعل العالم يتجه لتطبيق استراتيجيات في مكافحة الآفات والتقليل من تلك التأثيرات الجانبية، إلى جانب ضمان إدارة فاعلة واقتصادية للآفات للمحافظة على الأنظمة (الإيكولوجية) البيئية.
إن الإدارة المتكاملة للآفات الزراعية هي استراتيجية تقوم على أساس بيئي وتشمل مجموعةً من الإجراءات والتقنيات المناسبة وضمن برامج تعتمد على عوامل الموت الطبيعية والإرباك الفسيولوجي والسلوكي للآفة. وتنتهج الإدارة المتكاملة للآفات أساليب الرصد والمراقبة لحركة وتطور الآفة, كما تعتمد على ربط جميع المتغيرات وعلاقاتها مع بعضها وتأثيرها على مجتمع الآفة مثل ظروف الطقس ونوع المحصول والأعداء الحيوية وكُلف المكافحة الكيميائية والعائد الاقتصادي للمحصول وغيرها من العوامل.
وعلى الرغم من كون الآفات الزراعية ظاهرة حتمية في نظم الزراعة الحديثة، إلا أن تأثيرها يعتمد على الاستراتيجيات والإجراءات المتبعة على إدارة وبيئة المحصول والآفة معاً، سواء كان ذالك إيجاباً أم سلباً. فللآفات الزراعية تأثير على الحاصلات الزراعية؛ إذ تُقدر خسائر الإنتاج الزراعي نتيجة الآفات بحدود 30% من جملة الإنتاج عربياً، وتُقدر كُلف المكافحة بحدود 25% من مجمل تكاليف الإنتاج فضلاً عن الأثر البيئي والصحي لعمليات المكافحة.
وعلى مستوى العالم، أصبح التوجه لإدارة الآفات الزراعية بدلاً من المبيدات أمراً واضحاً بغية المحافظة على النظم البيئية وإعادة التوازن البيئي بكل مكوناته.
وعلى المستوى المحلي من جهة أخرى، فللمركز الوطني للبحوث الزراعية دور بارز في تبني وتطبيق استراتيجيات المكافحة المتكاملة للآفات الزراعية بمختلف أنواعها، وذلك من خلال الأبحاث التطبيقية المنفذة في مختلف المناطق والنظم البيئية على امتداد الوطن. فعلى سبيل المثال لا الحصر, أشارت دراسات بحثية وتطبيقية نُفذت في المركز الوطني للبحوث الزراعية إلى أن استخدام المصائد الفرمونية الجنسية أدى إلى إرباك التزاوج في مجتمع آفة عثة ثمار التفاح، وتخفيض أثرها الاقتصادي إلى ما دون 5% دون استخدام المبيدات الكيميائية. وأشارت دراسة أخرى إلى أن استعمال المصائد الغذائية الجاذبة لذبابة ثمار الزيتون ساعدت في تقليل نسب الإصابة بذبابة ثمار الزيتون، كما ساهمت في تحديد الوقت الأنسب للمكافحة وتقليل كُلف المكافحة الكيميائية. ومن الجدير بالذكر، أن المصائد الغذائية الجاذبة ذات كلف بسيطة تكاد لا تُذكر، وقد تم تعميمها من قبل المركز الوطني للبحوث الزراعية وتبنّيها من قبل مزارعي الزيتون وعلى نطاق واسع.
وعمل المركز الوطني للبحوث الزراعية على تشجيع وتنفيذ المدارس الحقلية للمزارعين والسيدات الريفيات كأحد الوسائل الهادفة لتوعية المزارعين وتدريبهم، ورفع كفاءتهم على الممارسات الزراعية الجيدة لإدارة الآفات الزراعية بشكل متكامل، وعدم التركيز على استخدام المبيدات وللحفاظ على النظام البيئي وسلامة الإنتاج.
وأخيراً، تُعتبر الإدارة المتكاملة للآفات الزراعية إدارةً للمحصول المزروع والنظام البيئي والآفات الزراعية على حد سواء، ومن منظور اقتصادي وصحي تهدف لتقليل كلف الإنتاج وتأمين منتج غذائي آمن وصحي.