الإذاعة في يومها: دور متعاظم في الأثير العالمي لا يعرف التراجع
حجزت الإذاعة مكانها على الأثير، وباتت إحدى أهم وسائل الإعلام التي لا تحيد عن رسالتها في إبلاغ الصوت الجمعي للجمهور، تنثر طيفها في الأثير الكوني غير هيابة في حقول المنافسة المحتدمة على اهتمامات الجمهور بمفهومه المطلق.
وتتبوأ الإذاعة مكانتها كوسيلة فريدة، وهي تجوب أقاصي الأرض بمستمعيها، في ظل تنافس شديد ذي تداعيات ومضامين مختلفة، في ظل ما فرضته التغيرات السريعة لتكنولوجيا المعلومات.
وتنبري الإذاعة للعمل الدؤوب نحو البرامج الحوارية، كوسيط بين المواطنين والمسؤولين، وجسر متين بين القادة وأبنائهم، وهو ما يعزز الولاء والثقة والسلم والمجتمعي.
وتعاظمت أدوار الإذاعة من الإعلام والترفيه إلى بناء السلام، واستثمار الإمكانات والأدوات في تقديم الدعم والمساندة في الأزمات، ولأهمية الإذاعة في السلام والأزمات والتصدي لخطاب الكراهية، أطلقت منظمة التربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة الذي يصادف يوم غد الاثنين شعارا بعنوان “الإذاعة والسلام”.
وتشير المديرة العامة لمنظمة اليونسكو أودري أزولاي، في رسالتها عبر الموقع الإلكتروني للمنظمة، إلى ما تمتلكه الإذاعة من خصائص، منذ اختراع الإذاعة قبل زهاء قرن مضى، باعتبارها وسيلة للاتصال والحوار وتبادل الآراء، تفوق الكثير من سائر وسائل الإعلام من حيث سهولة المال والانتشار، وقد قدّمت دورا تعليميا حتى في ظل أزمة كورونا، خاصة للكثير من الطلبة حول العالم ممن تعذّر عليهم الوصول إلى المدرسة، نظرا للحجر الصحي.
وما تمتلكه الإذاعة من مقومات تعزز ثقافة الحوار من خلال المشاركة في البرنامج، والتي تعطي المستمعين الفرصة لمناقشة المسائل المطروحة وتناول المسائل الخلافية بطريقة ديمقراطية عبر الأثير.
أردنيا، شهد البث الإذاعي تطورا عاصفا، فمن إذاعة واحدة إلى 38 إذاعة مرخّصة، تتنوع بين مجتمعية وخاصة بحسب الموقع الإلكتروني لهيئة الإعلام المرئي والمسموع، فضلا عن الإذاعة الرسمية (إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية)، التي انبثقت عنها العديد من الإذاعات، إذاعة البرنامج العام وإذاعة القرآن الكريم وراديو عمان (اف ام) والإذاعة الأجنبية وإذاعة إربد الكبرى.
وعرض معنيون في إذاعات مختلفة على امتداد الوطن، دور الإذاعة واستطاعتها في شق طريقها بمواكبة كل ما هو جديد، شكلا ومضمونا، ليبقى تألقها منفردا لجمهور مستمعيها، مستحوذة إياهم عبر أثيرها، فيما ظهرت إذاعات متخصصة، كما طورت الإبداعات قوالبها الفنية التي تقدم من خلالها المادة الإبداعية، واستغلت الإبداعات تطور تكنولوجيا الاتصال والمعلومات استغلالاً كبيرا.
مدير إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية مهند الصفدي، قال إن شعار اليوم العالمي للإذاعة لهذا العام، ينسجم مع الرسالة والأجندة الإعلامية لأي مؤسسة تعمل في الإعلام، ومنها الإذاعة الأردنية التي أثّرت بدورها في تفكير وعقول المتلقين كأداة ووسيلة لبلورة الرأي العام للمجتمعات ككل.
والرواية الإعلامية لإذاعة المملكة -بحسب الصفدي- دائما ما كانت ومنذ التأسيس تتسم بالموضوعية والحيادية والشفافية في نقل ومواكبة الأحداث، فسعت عبر تبنيها لما سبق في المساهمة بإحلال السلم المجتمعي، وراعت وأكدت الحقوق الأساسية والإنسانية للمواطنين بما فيها حقوق المرأة والطفل عبر برامجها المهنية وحواراتها مع كافة فئات وأطياف المجتمع وضيوفها عبر الأثير من الخبراء والمختصين، وفي نشراتها وتقاريرها الإخبارية وفتراتها الغنائية، فكانت الذراع الإعلامية للدولة الأردنية وأداة من أدوات الحكم الديمقراطي المتزن للدولة الأردنية وإحدى دعائم بناء الاستقرار المجتمعي والوطني.
وبين أن هناك تعاونا دائما بين الإذاعة الأردنية واتحاد إذاعات الدول العربية، مشيرا إلى أن الإذاعة الأردنية، ممثلة بقسم التبادل البرامجي والإخباري أنتجت بالتعاون مع اتحاد إذاعات الدول العربية، برامج وومضات ولقاءات واستضافات برامجية، وحلقة من برنامج لقاءات عربية مع الإذاعتين القطرية والفلسطينية الشقيقتين، ناقشت شعار هذا العام ودور الإذاعات العربية في هذا المجال.
كما سيبث عبر معظم الإذاعات العربية وموقع اتحاد إذاعات الدول العربية وموقع (اليونيسكو)، بالإضافة لعدد من الومضات الإذاعية التي تتحدث عن الإذاعة والسلام، بالإضافة لبرنامج خاص عن علم من أعلام الدراما الإذاعية الأردنية، وهو الفنان محمد العبادي، فضلا عن مشاركة عدد من الإذاعيين من الإذاعة الأردنية عبر برامجهم، في الاحتفال بهذه المناسبة، كما سيتم استضافة العديد من الإعلاميين والإعلاميات من بينهم منى الشوابكة وسمراء عبد المجيد في برنامج خاص مع الإذاعة التونسية الشقيقة.
مدير عام إذاعة حسنى، حسام غرايبة، قال يعد العمل الإذاعي وسيلة إعلامية مهمة لعدة أسباب، منها ما تقدّمه من برامج حوارية تتيح للمواطنين التعبير عن آرائهم بحرية منضبطة عبر الهواء، وفي حال استطاعت الإذاعة أن تدير حواراً حقيقياً مع السادة المستمعين والمتصلين، فإن هذا سيرتقي بالذائقة السمعية وقيمة الحوار المجتمعي.
ولفت في هذا الصدد، إلى قدرة الإذاعة من الاستفادة من كل وسائل الإعلام المختلفة، سواء بتجسيد ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو إنتاج فيديوهات أو إنتاج بودكاست، على اعتبار أن العمل الإذاعي أصبح متكاملا مع كل الأعمال والوسائل الإعلامية الأخرى سواء أكانت ورقية أو إذاعية أو تلفزيونية أو منصات رقمية.
ويقول مدير عام إذاعة (هوا عمان) التابعة لأمانة عمان الكبرى ناصر الرحامنة، إن الإذاعة استطاعت أن تحقق الغاية التي أنشئت من أجلها، خدمة للمواطنين باعتبارها الذراع لأمانة عمان الكبرى، وللإعلان عما تقدمه من خدمات، اتجاه المدينة والمواطنين، مواكبة بذلك التقنيات الحديثة.
وأضاف أن برامج الإذاعة تجسّر ما بين المواطن والمسؤول، الأمر الذي يبني الثقة، ويسهم في تبني الاقتراحات وحل المشكلات بشكل جذري، حتى لا يتكرر مجددا.
الباحث والأديب نايف النوايسة قال: تُشكل الإذاعة عندي مصدراً رئيساً للتواصل المعرفي، فهي بموادها المختلفة الدينية والاجتماعية والفنية والثقافية والاقتصادية، كلها كانت محل اهتمامي، وبسبب ذلك فقد توطدت علاقتي بكل الإذاعات العربية وغير العربية التي تبث برامجها باللغة العربية.
وقال “الذي جعلني أتواصل مع الإذاعة حتى الآن بكل أنواعها هو الكتابة للإذاعة سواء المسلسلات أو البرامج أو المشاركة في الندوات الحوارية التي يتم الاتصال معي للمشاركة فيها، حتى أني قبل عشرين سنة قمت بتنفيذ برنامج إذاعي عن التراث من إعدادي وتقديمي لمدة سنة”.
وأشار إلى أنه على الرغم من تعدد وسائل الاتصال وتقنيات التواصل، فإن الإذاعة تظل عندي مقدمة على غيرها؛ لأنها مسرح للعقل وحاضنة للإبداع وقريبة من سواد الناس الذين ليس أمامهم حينما يستغرقهم عملهم إلاّ الاستماع إلى الراديو، إذ يملكون الخيارات في تقليب موجاتها مهما كانت أشغالهم دقيقة وطويلة.
واعتبر أن الإذاعات الأردنية بأرشيفها الكبير هي مصدر مهم للدارسين في شؤون التراث والأدب والاقتصاد والفن وحياة الناس عموماً، كما لا أبعد عن ذهني وسائل الإعلام الأخرى مثل وكالة الأنباء الأردنية والصحف المحلية والمواقع الإلكترونية التي تتصل مع الإذاعة بأكثر من سبب، فهي بجملتها أوعية معرفية غايتها تثقيف الناس ومساعدتهم على مواجهة مشاكلهم وتبني الأصوات الإبداعية في كل أبواب الثقافة.
أستاذ الإعلام في جامعة الشرق الأوسط الإعلامي الدكتور هاني البدري، ينظر إلى الراديو، بصفته واحدا من أهم الاختراعات على الصعيد البشري، وباعتبارها أول وسيلة إعلامية سريعة الانتشار ومباشرة وسهلة، وبالإمكان أن يصلها أي شخص، وفي الأردن تحديدا لا يقتصر دور الإذاعة على الإعلام والأخبار ونقل المعلومة فحسب، وإنما كان يتم التعامل مع البرامج الحوارية منها كأسرة واحدة، فغدت فكرة البث المباشر في سبعينيات القرن الماضي، فرصة تتيح لأي مواطن التواصل مع الإذاعة على الهواء مباشرة بإعطاء فكرته، أو طلب حاجته، أو إيصال صوته، أو مناشدة أي جهة معنية.
ولفت إلى أن الإذاعة لها العديد من الأدوار المختلفة غير الأدوار الإعلامية المعهودة المعتادة أو الإنسانية أو الإغاثية منها، كما أن لها أدوارا تعليمية ومجتمعية عبر الإذاعات المجتمعية، حتى في ظل الإعلام الرقمي والإنترنت والسوشال ميديا، حيث أصبح لها أشكال أخرى كالبودكاست، فهي توظف كل تكنولوجيا الاتصال الحديثة والرقمنة لتؤدي أدوارا متعاظمة كل يوم.
وعرض رئيس جمعية المذيعين الأردنيين حاتم الكسواني، لأدوار الإذاعة في إيصال التعليمات والتوجيهات الرسمية والفنية للمواطنين، وإرشادهم لأماكن دور الإيواء والمراكز الطبية وتزويدهم بالمعلومات الوقائية، عن طريق راديو الهواتف النقالة أو راديو الترانزستور الذي يسهل حمله وتشغيله بالبطاريات الجافة.
وأضاف “تتعزز أهمية محطات الراديو الوطنية في حالات الطوارئ؛ نظرا لإمكانية تشغيلها في الظروف كلها، باستخدام الموجات الراديوية القصيرة والطويلة والمتوسطة وموجات (إف إم)، بعيدا عن ارتباطها بشبكات الإنترنت أو الربط مع الأقمار الصناعية”.
يشار إلى أن اليونيسكو في عام 2011 اعتمدت 13 شباط، يوما عالميا لإذاعة، وهو اليوم الذي أنشئت فيه الأمم المتحدة إذاعتها في عام 1946 بهدف زيادة الوعي لدى الجمهور بوسائل الإعلام وأهمية الإذاعة، وتعزيز إقامة الشبكات والتعاون الدولي بين المسؤولين عن البث الإذاعي.
(بترا – بشرى نيروخ)