الانتخاباتُ الحِزبية بَين الوقِع والتَّطلُعات
كتب : عبدالله الزغول
شهدت الحياةُ الحزبيةُ في المملكة الأردنية الهاشمية تطورًا محدودًا نسبيًا منذُ تأسيسِ المملكة، إذ كانت الأحزاب السياسيةُ تمر بمراحلَ مُتعدّدة سابقًا، حيثُ كانت خاضعة لقيودٍ جعلت دورَها في الحياةِ السياسيةِ محدودًا، وكان ذلك نتيجة للكثير من الأحداث التي تمر بها المنطقة بشكلٍ عام والأردن بشكلٍ خاص، فقد مرّ الأردنُ بالعديدِ من التقلباتِ السياسية، سواء على المستوى الخارجي والداخلي، وحيث تمكنت القيادة الهاشمية الرشيدة من اتخاذ القراراتِ الحكيمة وإيصال الأردن إلى بر الأمان والاستقرار رغم صعوبة الظروف .
في هذه المرحله تشهدُ المملكة قفزةً كبيرةً في الحياةِ السياسيةِ ودورًا فعالًا وملحوظًا للأحزابِ السياسية والتي برز دورُها في المشهدِ السياسيّ الخارجي منه والداخلي، وتُعتبرُ الانتخاباتُ النيابية المُقبلة حدثًا هامًا ، حيث أنّ الوطن سيشهدُ، لأول مرةٍ، تنافسًا بين القوائمِ العامةِ التي تشكّلَت على أساسٍ حِزبيّ، حيثُ خُصّصَ للأحزابِ 41 مقعدًا في المجلسِ العشرين، وذلك بحسبِ قانونِ الانتخاب، وهو القانونُ الذي أتاحَ للأحزاب فرصةً أكبر على صعيدِ التنافسِ في السباق الانتخابي وصولًا إلى المقاعدِ النيابية.
وبالعودةِ إلى الأحزاب، فإنها تُعَدُ ، أي التجربةُ الحزبية في الأردنّ، حديثةً نسبيًا مقارنةً بالدولِ الأخرى ذاتِ الأنظمة الديمقراطية الراسخة، فحتى بعد عودة الحياةِ الحزبيةِ خلال فترةِ التسعينيات ظلت الأحزابُ مقيّدة بقوانينَ انتخابٍ لا تتناسبُ مع وحدةِ الأحزاب، كقانونِ الصوت الواحد، والقائمةِ النسبيةِ المفتوحة، وعلى الرغمِ من الإصلاحات والتعديلاتِ التي تمّ إدخالها على قانونَي الأحزابِ والانتخاب، فإنّ الأحزابَ السياسة لا تزال تواجهُ تحدياتٍ كبيرةٍ، وتسعى لتطويرِ ذاتِها وتوسيعِ نشاطِها للقيامِ بالمهام المنوطة بها والسعي إلى تحقيق آمالِ الناس والعملِ على تلبية المطالب الشعبية، باعتبارِهم حلقة وصل هامة بين الحكومة والشعب، والجزء الرّئيس في العمليةِ التشريعيةِ.
وبالرغمِ من أنّ النظام الانتخابيّ الجديد يشجعُ بشكلٍ مستمرٍعلى تعزيزِ دورِ الأحزاب، فقد ظلّ التشتتُ الحزبيّ، بالإضافةِ إلى ضعفِ التحالفاتِ السياسية يمثلُ تحديًا رئيسيًا وصعبًا، إذ إنّ وجودَ عددٍ كبيرٍ من الأحزابِ الصغيرة والمتفرقة يُضعفُ من قدرة تلك الأحزابِ على دخولِ المنافسةِ بشكلٍ فعّالٍ، وعليه فإنّ الوصول إلى البرلمان بأعداد كافية لتشكيلِ الحكوماتِ ومن ثمّ التأثير في عمليةِ اتخاذِ القراراتِ تحت القبةِ البرلمانية لَن يكونَ مِن السّهولةِ بِمكان.
وعلى صعيدٍ آخر، تواجه الأحزاب تحديًا جديًا، ألا وهو قلةُ الثقةِ في قدرتِها على التأثيرِ في السياساتِ العامّة، فمعظمُ الأحزاب السياسية في الأردن حديثة وصغيرة ومنقسمة في نسَقِها الأيديولوجي، وتفتقرُ أيضًا إلى وجود برامجَ انتخابية واقعية، مُفصّلة وواضحة ، كما قد تعاني من ضعفٍ في التنظيم الداخلي وهذا الضعفُ الظاهر يجعلُها تفتقر إلى الدعم الشعبي الواسع، ممّا سيؤدي في نهايةِ المطافِ إلى تشتيتِ أصواتِ الناخبين بينَ الأحزاب بدلًا من تكوينِ تحالفاتٍ حزبية قوية، خاصةً وأن الأحزاب لم تكسب ثقة الشارعِ الأردني بشكلٍ كامل ومطلق؛ وهذا بسببِ أنها لم تقدّم حتى اليوم حلولًا فعّالة وبرامجَ واضحة وأكثر واقعية.
إنّ قلة الوعي حول دور الأحزاب وأهدافها، يخلقُ حالةً من الشكّ والتخوفِ لدى الناخبين، حيث لا يتوقفون عن طرحِ السؤال المستمرّ لديهم حولَ جدوى تلك الأحزاب بل والمجلس النيابي برمّته، ومدى قدرة هذه الأحزابِ على تلبيةِ تطلعاتهم ومدى فاعليّتهم داخلَ البرلمان، ولهذا، يجب على المواطن أن يدرك بأن نجاحَ التجربة الحزبية يتطلبُ بناءَ تحالفاتٍ سياسية قويةٍ بينَ الأحزاب المختلفة لأنه سيُسهم في تقليلِ التشتتِ الحزبي وتعزيزِ القدرةِ على تشكيلِ حكوماتٍ مستقرة، فالتحالفاتُ ستكونُ قادرة على تقديمِ رؤى وبرامجَ واضحة تُسهمُ في تحسينِ الأوضاعِ الاقتصادية والاجتماعية.
وبالنسبةِ للانتخاباتِ النيابيةِ المقبلةِ في المملكةِ، فهي بالتأكيد محطة مهمّة تعكسُ تطورًا كبيرًا للحياةِ الحزبيةِ الأردنيّة، برغمِ حداثةِ التجربةِ الحزبية والتحدياتِ التي تواجه الأحزاب السياسية، حيث إنّ التعديلاتِ الدستوريةَ الجديدة تمّت لتعزيزِ العمليةِ الديموقراطيةِ ودعمِها بشكلٍ كامل، فهي تفتحُ البابَ على مصراعيه أمامَ الأحزابِ وتعمل على زيادة تمثيلها بدلًا من الاعتمادِ على المرشّحين الفرديين فقط ، الذين يصلون المجلسَ بخلفيات فكرية غير مُتناغمة، مما يجعلُ من الصعوبةِ بمكان أن يتمّ الاتفاق على رأي يُرضي جميعَ الأطرافِ تحت القبة.
إنّ الحداثة الحزبية في المملكة تمثلُ رحلة مستمرة نحوَ بناءِ تجربةٍ ديمقراطيةٍ أكثر تماسكًا وفاعلية، وسطَ تطلعاتٍ تسمو إلى الإصلاح والتغلب على التحديات القائمة، فعلى الرغم من حداثتها وتحدياتها، الإ أنها تمثل فرصة ذهبية لرسمِ مستقبلٍ ديموقراطي أكثر استقرارًا وشفافية يلبي حاجة الشعب الأردني لمن يوصل صوته وينظر في مطالبه، ومع بدء الانتخابات النيابية المقبلة، تكمن أمامَ الأحزابِ والشعب كذلك فرصة تاريخية لإثبات قدرتِهما على التفاعلِ الإيجابيّ، مما يتيح للنوابِ المنتخَبين السعي لتحقيقِ تطلعاتِ الأردنيين، وتقديمِ حلول واقعية لمشكلاتهم، كما ينبغي للأحزاب السياسية أن تسعى دائمًا لبناءِ تحالفات قوية، وتركز في توحيدِ الرؤى السياسيةِ فيما بينها وبين الأحزابِ الأخرى، لما سيكون له عظيم الأثر في تعزيز ثقة الشارع الأردنيّ وإعادةِ تشكيلِ المشهد السياسي بشكل يتيح للأحزابِ تحقيقَ تأثيرٍ واضحٍ وملموس في عمليةِ صُنع القرار.
ختامًا، فإنّ هذه المرحلة الانتقالية، ما هي إلا خطوة عظيمة وهامة لا بد أن نخطوها جميعًا نحوَ تعزيزِ الديموقراطيةِ، وتحقيقِ الاستقرار السياسي، ممّا يُمهد لنا الطريق لمستقبلٍ أكثر وضوحًا وإشراقًا لصوتِ الشعب داخل البَرلمان الأردني.
عبدالله الزغول