ثمّة مؤشرات تُدلّل على أن رفض البعض للحوار حيال تعديلات قانون ضريبة الدخل، لا تنمُّ عن قراءة بالأصل لماهية وطبيعة التعديلات المُدخلة على القانون، حيث إن هناك حالة من الرفض المُسبق بعضها عفوي وبعضها وكأنه منساق دون إرادة لمحاولة تكرار مشاهد مماثلة من الرفض، وآخر لا تخلو رائحة التحريض من مواقفه، لكننا بالمجمل نؤمن أن خيارات التعبير حق للجميع، لكن التروي والتفكير وإعادة قراءة المشهد ككل مهمة أيضاً بهذا التوقيت.
إنّ التعبير عن رفض أو قبول تعديلات قانون الضريبة، حق للجميع، ونحن في دولة مؤسسات وقانون، ونحتكم جميعاً للدستور، الذي كفل حرية الرأي، لكن الدستور الذي كفل هذا الحق، يشير كذلك إلى أن هناك قنوات دستورية لا بد وأن يمر بها أي تشريع، وعليه فإن محاولات إجهاض أي تشريع أو قرار بصرف النظر أكان يتعلق بالضريبة أو سواها أمرٌ بحاجة إلى إعادة قراءة، ذلك أن تلك العملية تتجاوز محطات هامة طالما رسّخها الدستور.
واليوم تُقدّم الحكومة خطوات طالما اشتكى الناس من غيابها، حيث الحوار على أشده قبيل إقرار القانون وإرساله إلى مجلس النواب، وهنالك غرفة عمليات في دائرة الضريبة تتلقى ملاحظات المواطنين على مشروع القانون يوميا وتقوم بتحميلها وتصنيفها لعرضها على اللجنة الوزارية، وكذلك فإن موقع ديوان التشريع والرأي يتلقى الكثير من الملاحظات، وعليه فإن إمكانية تعديل القانون قبيل إرساله إلى مجلس النواب واردة وبشكل كبير، وبعدها لمجلس النواب الرأي الفصل وإدخال ما يراه مناسباً على القانون من تعديلات.
لقد حملت تعديلات الضريبة العديد من الإيجابيات، لكن عدم قراءة القانون، والحكم المسبق عليه، كان لها من الأثر في خلق مزاج رافض، وعليه فإن مصلحتنا الوطنية تقتضي التفكير بهدوء، وإعادة قراءة المشهد بالنظر إلى ما يحيط بالمملكة من أخطار وتحديات وظروف اقتصادية صعبة.
لقد بادرت الحكومة كذلك إلى خطوة تبرهن السعي إلى الحفاظ على الطبقتين محدودة الدخل والمتوسطة وعلى قطاعات حيوية تمس حياة الناس مباشرة، حيث قرر مجلس الوزراء إعفاء مدخلات الإنتاج الزراعي من الضريبة العامة على المبيعات، وتخفيض الضريبة العامة على مادة الذرة من 10 بالمئة لتصبح 5 بالمئة، كذلك قرر إلغاء الضريبة العامة على مدخلات الانتاج لقطاع الدواجن التي كانت تخضع لنسبة 4 بالمئة قبل العام 2018، لتخضع لنسبة الصفر، كما قرر إعفاء المزارعين المحليين من إنتاجهم الزراعي المحلي من الضريبة العامة على المبيعات، وأن لا يتم استيفاء الضريبة إلا عند الاستيراد.
إنّ النظر لتلك القرارات والتوجهات، يقودنا جميعاً إلى أهمية التروي قبيل إطلاق الأحكام، ذلك أن فلسفة تعديلات الضريبة القابلة للتعديل والتطوير والتغيير، تذهب إلى أن يكون للوطن الذي قدم لنا الكثير، حصة من مال الأغنياء والمقتدرين، فالأردن الذي حملنا صغاراً وتربينا في أرضه وعشقناها وجداناً وضميراً، يستحق منا التضحية، وعلى المقتدرين فيه أن يقدّموا القليل مقابل عطاء الوطن الكثير.