الدكتور نواف العجارمة يكتب :قبلَ عامين وفي مثل هذا اليوم
– كتبتُ قبلَ عامين وفي مثل هذا اليوم مقالًا في ذكرى ميلاد الحسين – رحمه الله – حمل عنوان:الحُسينُ ذاكرةُ وطنٍ وضميرُ أمّةٍ وتاليا نص المقال:
يعزُّ على مثلِكَ يا سيّدي الرّثاءُ، ويشقُّ على مثلِنا فيكَ العزاءُ …
في ذكرى الوفاءِ لميلادِكَ الميمونِ، يقفُ الأردنيّونَ جميعُهُمْ على امتدادِ ذراعَيْكَ الحانيتَيْن، وباتّساعِ صدرِكَ الّذي لمْلَمَ جراحاتِهِمْ، ونَمَّى طموحاتِهِمْ، يَستذكرونَ بميلادِكَ ميلادَ شَعبٍ كاملٍ، صنعْتَهُ على عيْنِكَ، وبثَثْتَ فيهِ روحَكَ، روحَ الحُسينِ الأبِ الحاني، والمعلّمِ الأوّلِ، والقدوةِ الماثلةِ، الّذي آمنَ بالأردنيّينَ حقَّ الإيمانِ، فكانوا على قدرِ إيمانِهِ، وغرسَ ثقتَهُ الثّمينةَ الفريدةَ فيهِم، فكانوا بِمستوى أوْسِمةِ الشّرفِ الّتي يمنحُها قائدٌ لشعبِهِ.
لطالَما كانَ شعارُكَ الّذي بثَثْتَهُ فينا: “الإنسانُ أغلى ما نملكُ” وسامَ عزِّنا الّذي نُفاخرُ بهِ، وثَروتَنا الّتي نملكُ، وسراجَنا الّذي حملْناهُ رؤيةً خالدةً في عتماتِ الزّمنِ الصّعبِ، واتّخذْناهُ عهدًا ووعدًا على قلوبِنا بأنْ نكونَ دائمًا عندَ حسنِ ظنِّ عينيْكَ بِنا، وعلى قدرِ مسؤوليّةِ طموحِكِ في أبنائِكَ الّذينَ حَمَلوا على أعتاقِهِمْ حلمَكَ النّبيلَ، أيُّها الشّريفُ النّبيلُ، وساروا في طريقِ شققْتَهُ بصلابةِ إيمانِكَ لنا بينَ الصّخورِ الصُّمِّ، وشَوْكِ الحنظلِ، وهيّأتَنا لِنكونَ كما أردْتَ، وأرادَ وريثُ حكمتِكَ وحنكتِكَ، أنْ نكونَ أهلَ العزمِ، وعلى قدرِهِ كانَتْ عزائمُنا الّتي لا تلينُ، مهما حاكَتْ لَها الأيّامُ منْ خطوبٍ أحاطَتْ بها، إحاطةَ السّوارِ بالمعصمِ، وكأنّني أسمعُ المتنبّي يردّدُ في صلابتِكِ، متخطّيًا زمنَهُ إلى زمانِكَ:
وَسِوى الرّومِ خلفَ ظَهرِكَ رومٌ فَعَلى أيِّ جانبيْكَ تميلُ؟!
نَظمْتَنا يا سيّدي في خيطِ حبِّك أزهارَ دحنونٍ ودُفلى، وقلّدْتَنا جيدَ التّاريخِ، فأيُّ كلامٍ يقفُ على أعتابِ روحِكَ الطّاهرةِ يا فقيدَ أرواحِنا، ولمْ يلجمْهُ العجزُ والقصورُ عنِ التّعبيرِ الّذي يرتقي لمعارجِ نُبلِكَ؟!
شهادتُنا في حبِّكَ مجروحةٌ؛ فليسَ بوسعِ الغيثِ إلّا أنْ يكونَ ابنًا بارًّا للغيمةِ السّكوبِ، ولا لخيوطِ الشّمسِ إلّا أنْ تصدُرَ عنْ حضنِ أمِّها، وما نحنُ إلّا بصيصٌ مِنْ نورِ عينيْكَ الوادعتَيْنِ، وقبسٌ منْ وهجِ روحِكَ الّتي لا تنطفئُ، وخصلةُ إباءٌ منْ جبهتكِ العاليةِ الشَّمّاءِ، كتَبْنا اسمَكَ في دفترِ الحبِّ محبوبَ النّشامى، الّذينَ يعشقونَ الوردَ لكنْ، يعشقونَ الحسينَ أكثرَ.
لمْ تكنِ الأيّامُ الّتي تشرّفْنا فيها بوجودِك بينَنا إلا دَيْنًا في أعناقِ أبناءٍ لأبيهم، وتلاميذَ لمعلّمِهم؛ فالحَبّةُ الّتي زرعْتَها غدَتْ بِبَركةِ يديْكَ الطّاهرتيْنِ حقولَ سنابلَ، وواحاتِ نخيلٍ، وبساتينَ زيتونٍ مبارِكٍ. لَكَمْ تمنّيْنا لوْ كنتَ بينَنا لِتشهدَ صنيعَ يديْكَ، فمدارسُنا على امتدادِ الوطنِ، أيقوناتُ علمٍ ومعرفةٍ، ومعسكراتُ تأهيلٍ للحياةِ، وجامعاتُنا الّتي بدأتَها بالأردنيّةِ الحبيبةِ العريقةِ، تناثرَتْ كحبّاتِ لؤلؤٍ ثمينةٍ في بقاعِ الوطنِ كُلِّها.
الوطنُ يا سيّدي وطنُكَ، تعرفُهُ منْ ألفِ انطلاقتِهِ إلى ياءِ مسيرتِهِ الّتي لا تعرفُ الوقوفَ، والشّعبُ يا مليكَهُ الغالي شعبُكَ منَ الحبيبِ إلى الحبيبِ، يراكَ في قرّةِ العينِ عبدِ اللّٰهِ، ويراهُ فيكَ، أسدًا من أسدٍ، وأبًا من أبٍ، وأخًا من أخٍ، يقودُنا برؤيتِكَ الخالدةِ، ِوببصيرتِهِ الحادّةِ نحوَ إكمالِ الدّولةِ الأردنيّةِ المئويَّةَ الأولى منْ مسيرتِها المباركةِ ، كزيتونةٍ ثابتةِ الأصلِ، صلبةِ الجذعِ، طيّبةِ الثّمرِ، لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ، يكادُ زيتُها يضيءُ ولوْ لمْ تمسَسْهُ نارٌ، فروعُها باسقةٌ في السّماءِ، لا تضرُّها ريحٌ عاصفةٌ هوجاءُ، ولا تُزَحْزِحُها عنْ أرضِها الصّلبةِ السّيولُ الجارفةُ الرّعْناءُ، حولَها رجالٌ رجالٌ، يواصلونَ تجديدَ العهدِ معَكُما، على أنْ يظلَّ الأردنُّ هوَ الأغلى والأعلى والأحلى، ما مرَّ بنا صعبٌ أو خطبٌ، أو خطرَ بنا زمنٌ رحبٌ…
إلى روحِكَ الطّاهرةِ العابقةِ بالشّذا منْ ياسمينِ إربدَ الغرّاءِ، مرورًا بحبيبتِكَ عمّانَ الّتي أَرْخَتْ جدائلَها لمجدِكَ، وزَرَعَتْ بالوردِ مداخِلَها بابًا بابًا لعينيْكَ، إلى نسائمِ بحرِ العقبةِ العتيدةِ، نُزجي طيّبَ المحبَّةِ والسّلامِ، يا سيّدَ المحبّةِ والسّلامِ…