الدوما ومجلس النواب
لا تستطيع أن توقف التيار لكن بإمكانك أن تغلق الشباك. الأردن لم يغلق الشباك بل فتح الباب ايضا، بابه من الشمال الى الجنوب الى العاصمة، من البوادي الى المخيمات لتيار الانتخابات الذي يسود العالم من دوله التي عرفت الديمقراطية ومارستها منذ مئات السنين الى دول كان المواطن فيها يدفع حياته مقابل رأيه ويفقد رأسه على مشنقة او برصاصة إعدام حين يقول: أنا اريد!
لم يكن أحد يتخيل أن يذهب الروس الى صناديق الاقتراع لينتخبوا اعضاء “الدوما” مجلس النواب، وأن يكون فلاديمير بوتين رئيساً لحزب وليس رئيسا للحزب الأوحد .فقد اختار الشعب الروسي لنفسه بعد حقبة طويلة من حكم الحزب الواحد منذ العام 1917، التي أطاحت بحكم القياصرة، وبعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، الديمقراطية طريقاً لاختيار نظامه السياسي، فكانت انتخابات العام 1991، التي أصبح فيها بوريس يلتسين أول رئيس لروسيا الاتحادية يُنتخَب بالاقتراع العام، وتمّ حلّ الاتحاد السوفييتي في الـ 8 من كانون الأول1991، ونشأت مجموعة الدول المستقلة التي تضم روسيا والجمهوريات السوفييتية (سابقا) باستثناء دول البلطيق، ليتبنى الشعب دستور العام 1993، قبل أن يستقيل يلتسين في ديسمبر 1999.
ومنذ ذلك التاريخ، يُنتخب الرئيس بالاقتراع العام المباشر لولاية قابلة للتجديد مرّة واحدة، كلّ أربع سنوات قبل تعديل دستوري العام 2007، جعل مدّة الرئاسة الواحدة، ست سنوات، وعبر الانتخابات ايضاً، يُحدَّد شكل البرلمان المؤلّف من مجلسين وهما الدوما (النواب)، والاتحاد. وعلى رغم من الانتقادات التي تُوجّه الى الديمقراطية الروسية التي تتيح عبر نظامها الرئاسي، تمركزاً قويّاً للسلطات في يد مؤسسة الرئاسة في الكرملين، الا انها دَخَلت التاريخ من أوسع ابوابه باعتبارها تغييراً انقلابيا، انقذ البلاد من تبعات نظامين استبداديين، القياصرة، والشيوعي.
الشعب مصدر السلطات وهو الذي يقرر مصلحته من خلال صناديق الاقتراع . فقد أثمرت التظاهرات والاحتجاجات على التمثيل السياسي غير العادل في بريطانيا، عن تأسيس أقدم برلمان تمثيلي في العالم، العام 1215، تطوّر فيما بعد الى برلمان بشكله العصري المعروف العام 1326، المؤلف من مجلسي اللوردات والعموم.
واعْتُبِرت الثورة الفرنسية العام 1789 التي تُوّجَت بسقوط سجن “الباستيل”، أولى الثورات في التاريخ الحديث، التي فتحت الباب أمام ديمقراطية الانتخاب في أوروبا.
ومن أكثر “الثورات الانتخابيّة” التي حفرت في صفحات تاريخ نضالات الشعوب هي الانتخابات الأميركيّة، التي غدت مثالا يُحتذى به في التأسيس لدولة ديمقراطية عصريّة، بعد حروب أهلية حصدت الأرواح وأهدرت الثروات. ففي العام 1789، تمخّضت أول انتخابات أميركية عن انتخاب جورج واشنطن رئيسا للبلاد، لتدقّ ركيزة ديمقراطية استمرّت في قوتها الى الآن، إذ يُنتخب رأس السلطة عبر انتخابات كلّ أربع سنوات، وفق ما نصّ عليه الدستور الأميركي. وقلبت صناديق الاقتراع المجتمع الاميركي رأساً على عقب، فبعد تاريخ طويل من الاضطهاد والعبودية التي عانى منها السود اصبح احدهم رئيسا للولايات المتحدة كلها بيضا وسودا وملونين وها هو باراك حسين اوباما يحزم حقائبه لمغادرة البيت الابيض بعد فترتين رئاسيتين استمرتا ثماني سنوات .
هل تحققت نبوءة الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن العام 1900، عن ديمقراطية ستسود العالم كنظام سياسي يفرض نفسه على الكثير من الدول؟ ربما .فقد أصبح الاقتراع العام وحقوق التصويت مبدأ عالمياً نصّت عليه اتفاقيات الأمم المتحدة كحق من حقوق المواطَنة، يشمل كل المكونات في المجتمع. وفي العام 1893، أصبحت نيوزيلندا أول دولة تمنح حق الاقتراع العام في العالم. وفي أوروبا كانت فنلندا الأولى، التي تقوم بذلك العام 1906، فيما كانت كلٌّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، متأخّرتين نسبياً في منح حق المرأة في التصويت، ولم يتم ذلك الا في العامين 1920 و1928 على التوالي، ومنحت فرنسا المرأة حق التصويت، العام 1946. وحددّت معظم دول العالم سن الثامنة عشرة سناً قانونيا للاقتراع.
ها نحن في الاردن نسير في الطريق الصحيح .اخترنا امس نواب الشعب لاربع سنوات قادمة وكان الاردن هو الفائز. وبرغم كل ما قيل ويقال الا ان الاردنيين حققوا انجازاً اخضر وسط منطقة احرق فيها الجفاف الديمقراطي الأرض والحطب و…الشعب .