كتب : د. صبري الربيحات
ستبقى الزهو الذي لا يغيب”
قبل قليل ظهرت لي صورة الاستاذ عبدالله العتوم علي صفحة الصديق نضال الدلقموني فاثارت في خاطري بعض المشاعر والذكريات.. عبدالله الذي بدا لي في الصورة كما عرفته قبل خمسة عقود هو ذاك الصحفي البهي بكامل الأناقة والشبوبية يمتزج فيه العنفوان مع البساطة والادب مع الهيبة والتفاني في العمل مع خفة الدم..
الخال عبدالله العتوم شخص مشبع بالتفاصيل ولا يتوقف عن الحديث وله اذن تمكنه من الاستماع الى أدق التفاصيل وحضور لا يغفل عن أي ايماءه فهو من النباهة والفطنة والعفوية التي تجعله قريبا من الجميع ولا تملك الا ان تحبه مهما كان موقفك من كل ما يجري تداوله او اختلافك معه.
في الربع الاخير من القرن العشرين صعد نجم ابو علي ليصبح احد اهم الأسماء الاعلامية القريبة من صناعة القرار ومصدرا مهما من المصادر التي تعرف ما يدور في الساحات الخلفية والامامية فقد اتسعت دائرة نشاطه الاعلامي لتتجاوز الرأي والصحافة المحلية ليقدم تقارير وبرامج تلفزيونية متخصصة وموجهة.. وليزور المحافظات ويرصد إيقاع الشارع ويعرف الكثير حول ما يجري في الصالونات ويتنبأ بما يمكن أن يحدث ببراعة والهام.
خلال الأعوام التي انشغل فيها الاردن بضجيج الحرب في العراق ومعها وعليها كان عبدالله العتوم في أقصى درجات حيويته المهنية يسافر ويرافق وينافح ويقول ما يتردد البعض في قوله لدرجة تشعرك باستعادة الرجل لكل المعارف والمهارات التي يكتسبها رجالات التوجيه المعنوي فتحسبه جنديا في لباس صحفي او صحفي بتنشئة عسكرية.
في احدى اهم مفاصل تاريخ الاردن وبعد إقرار معاهدة السلام واشتباك الإعلام مع القضايا المحلية وظهور عشرات الصحف والمطبوعات التي تغذت على الاخبار والتهويلات والعناوين المفزعة تولى عبدالله العتوم قيادة المطبوعات والنشر واصبح يدير التقاطعات والاشتباكات بغرائز الاردني الذي يعرف الناس وما يحركهم او يخمد نيرانهم الصديقة.
عبدالله الذي كان فخورا بأن خدم البلاد والدولة برصد كل ما وقعت عليه عيناه لأكثر من أربعين عاما غادر موقعه الرسمي كمدير للمطبوعات والنشر بصورة صادمة له ولمن عرفه دون أن يتوقف عن العمل فقد استمر في أداء الادوار التي قام بها وهو في صفوف الادارة الرسمية ولم يتقاعد عن العمل ليصبح مثل غيره ممن يعتقدون بأن الخدمة في البلاد تنتهي بانتهاء عقودهم وانخفاض معدل الأجور التي يتقاضونها.
في العقدين الأخيرين قرر ابو علي ان يعتكف في مزرعته الواقعة على تخوم بلدته الجميلة ليمارس الزراعة ويصفي الذهن ويتواصل مع الاهل ويستقبل الاصدقاء ويروي عند التجلي بعضا من القصص والاحداث والروايات التي تعيدنا الى ايام الحب والترابط والألفة التي .
بين جذوع اشجار السنديان والبلوط التي تزين السفوح الممتدة بين عبين وسوف و على أنغام موسيقى اغنية سيدة الطرب العربي ام كلثوم” واذا الدنيا كما نعرفها …واذا الاحباب كل في طريق” يمضي عبدالله العتوم امسياته وهو يستذكر اجمل الأيام واطيب الرفاق الذين زينوا الاردن وزادونا حبا له وفخرا به.
طولة العمر يا ابو علي وخالص الود والمحبة