كتب :الصحفي خلدون حباشنه
في ظروف مهنية تراكمية معقده ، تولى الزميل راكان السعايده وزملاؤه مهمة ادارة الموقف المهني في قطاع هو الاخطر من نوعه مجتمعيا ، لا اعرف لماذا استحضر قانون المطبوعات العثماني الذي ظل معمولا به حتى صدور الدستور الاردني عام 1952 وهو بالمناسبة الذي حقق نقلة نوعية حددت الخارطة الاساسية للعمل الصحفي بعبارة واحده تكفي لاختصار الموقف المهني برمته ” الصحافة والطباعة حرتان ” .
هذا الاستحضار ، مرده الى حجم التراكمات المهنية التي طالت القطاع واذا ما افترش النقيب نفسه وزملاؤه في النقابة خارطة العمل التراكمي سيجدون انفسهم رغما عنهم امام قوة حقيقية تدفعهم باتجاه واقع يستدعي العودة الى مربعات عمل وتأسيس جديده .
لسنا هنا نقيم او نحاكم لكننا كصحافيين نجد ان الغطاء القانوني والدستوري والمهني والاخلاقي بات مهترئا الى حد كبير ، بفعل كثير من التعقيدات التي رافقت الاداء والعمل ، وربما ايضا بفعل خمول وتراجع اصاب الدور نفسه ، ممثلا بتطورات الدور التشريعي والقانوني والطفرة التي اصابت هذا القطاع الذي بات مطمعا حقيقيا للكثيرين .
لن نتفلسف او نتثاقف ونتحدث عن ” الماجنا كارتا ” و ” مبدأ الحريات ” ولا ” العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ” لكننا سندخل مباشرة الى عمق القضية التنظيمية التي تحتاج الى ارضية صلبة لتمييز الغث من السمين ، وفرز التصنيف وفق قواعد مهنية تندرج تحتها بالضرورة كل القيم السامية التي تحكم المهنة وخصوصية ممتهنيها التي تستجلب بالضروره التعريف الواضح لصحافة والصحفي وحقوقه وواجباته .
من هنا فان واقع الميدان ومشكلاته وتطوير اسس العمل والاشتباك المستمر مع الاطر التنظيمية التشريعية المتسارعه فرض على الزملاء في النقابة ان يكونوا في حالة عمل دائم ، لا احد منصف يقدم على مخاطرة تغييب واقع ان الحريات في الاردن افضل مقارنة بغيرها لكن البحث في الظروف الذاتية والموضوعية يحتم وقفة تستدعي المسؤوليات بكامل تضحياتها امام تيار اعلامي سحره بريق المصطلح وركن الى دور دبلوماسي ، واخر حكواتي انشائي يقوم على استثمار المسمى وفق نظرية انيقه وبالغة القيافة تعتمد الرؤيا المسكونه بحلم وطموح لا يقارب واقع مهنة المتاعب التي اسست للوعي عبر التضحيات حول العالم .
من مصلحة الدولة الاردنية والشعب الاردني دعم تيار المسؤوليات لحمل راية الدولة الاردنية وفكرها الوطني وتحمل مسؤوليات واقعية امام الشعب الاردني الملتزم وقيادته افاق الوعي الوطني والقومي والانساني ، لاسقاط البريق الخادع الذي يسعى اليه الطارئون على المهنة ، لانه الوحيد الكفيل ببلورة خطاب اعلامي معلوماتي ، ومحتوى وثائقي مختلف تماما عما يجري الان .
التنظيم الذاتي للمهنة واداء الصحفيين والمؤسسات الاعلامية والتطوير الاداري والمهاري الداخلي الامان الوظيفي والمعيشي تركة ثقيلة التعامل معها ليس سهلا في ظل مواجهة مفتوحة مع تيار تقليص هامش الحريات الاعلامية وهو مهمة قاسية ان لم يكن هناك تكامل بين النقابة وقيادتها وكافة الجهات المعنية سيظل الموقف يراوح مكانه .
فما هو المانع من قيام صندوق وطني لدعم الصحافة اسوة بدعم الثقافة او الزراعة او الاحزاب او حتى الجمعيات ، مع حفظ شروط الاستقلالية المهنية لتكون الصحافة ذراعا وطنيا مجتمعيا من جهة ومعبرا حقيقيا عن ادبيات الدولة الاردنية التي يلتف حولها الجميع اسوة بما هو معمول به في انحاء مختلفة من العالم ” ال بي بي سي ” البريطانية مثلا مموله حكوميا وغيرها الكثير لكنها تتمتع كلها بضمانات راسخة بالاستقلالية .
ففي حين نجد ان الواقع يفرض على الحكومة التفكير باجراء يعتمد صيغة عملية للخروج من الحالة نجد ان الصحفيين ايضا مطالبون بحكم الانفجار المعرفي والمعلوماتي والتقني بتجاوز الدور التقليدي الذي اصبح موضع تندر شعبي نتيجة فقدان المنافسة .
قيام صحافة مفسرة استقصائية واعلام تنموي مباشر واخرى فكريه عميقه تقدم مضمونا اعلاميا منافسا وفق نهج يشمل كافة الفنون الصحفية سيبطل دور الطارئين ويسقط من حسابات الادارات التي اعتمدت نهج الترضيات والمحسوبيات والواسطوية كل من لا يملك موهبة ولا مهارة ولا كفاءة .
اما معالجات تطوير الدور من حيث رفع نسبة حصول الصحف على نسبة من الاعلان الحكومي ومثلها من الاجراءات الداعمه ستظل تصب في قربه مثقوبه مادام البعض مصرا على تحويل بعض الصحف الى مكاتب تنمية اجتماعية تقدم معونات شهرية تحت غطاء اعلامي اما ترتيبات من نوع الاستثمار وتحسين ظروف الصحفيين المعيشية من خلال النقابة فهي انحازات موضعية في اطار هذه الاستراتيجية خاصة مع ما يعترضها من تدابير ومنها الاعلان القضائي واعتبار التحرير الصحفي مهنة منزلية وغيرها من الاجتهادات التي واجهها المجلس النقابي لصحفيين على اعتبارها تشكل استهانة بالدور المهني والوطني لصحافة ، وهو ما انبرى له النقيب وزملاؤه من صحافيين وقانونيين .
هذه الاعتراضات تشكل وقتا مهدورا و تاخيرا في مواجهة ثالوث الخطوره في هذا القطاع والمحصوره في “حرية التعبير كأساس عملي و خطاب الكراهية والطارئون ” فالقاعدة الاعلامية الاساس هي في ان الاعلامي المحترف هو القائد المجتمعي الجديد تحتاج الى وقت وتشريع يسمح بالالتفات الى العناوين الكبيره .
رفع مستوى الاهتمام نحو هذه العناوين الكبيره وطنيا ، يكفل التحول نحو دور يبني فيه الصحفي معالجات مهنية متميزه في الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي من شانها خدمة وادارة خدمة الوطن والمجتمع وفق ادبيات الريادة الصحفية ، لا عيب ابدا في التعاطي السياسي الثقافي الذي يعلي قيم المصلحة الوطنية العليا ويسوق منجزات الدور السياسي الاردني لدولة والنظام الذي يتجاوز كونه نظاما سياسيا الى ” منظومة سياسيه اخلاقية ” اعتمد باحتراف وتمكن نهج التوازن السياسي في اقليم دمرته وحطمته سياسات غاب منها التوازن وسيطرت عليها قيم ذاتيه بعيده كل البعد عن المعنى الحقيقي لسلوك السياسي الذي يراعي مصالح الناس كما يفعل الاردن دوما .
الخروج من ثقافة الدور الميكانيكي يتطلب موقفا صحفيا يتكامل مع مجهودات الرصد والتحليل والنوعية التحليلية والجرأة في طرح الراي المدعم بالمعلومة والتوثيق في مواجهة تيار المبالغة والتهويل والاشاعة الذي جعل الصحافة في بعض المواقف عرضة لسخرية والنقد هو اساس التغيير الايجابي في هذا القطاع .
المعادلة المهنية الصحفية الشاملة لا تنفصل عن المعادلة الحياتية اليومية المرتبطة عضويا بثوابت الوطن ودوره القومي والانساني ولا تتعارض مع مؤشرات الحرية لاننا مدعوون كصحافيين لنكون اقوى في مسيرة الحياة الحضارية للوطن الاردني الذي بات بكل واقعية ملجئا وملاذا للجميع من حولنا .
رغم تحرير ملكية البث والنشر والكتابة والانتشار الواسع لصحف والمواقع الالكترونية والاذاعات والانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي الا ان العنصر البشري الاعلامي الاردني يبقى في غالبه الاكثر تميزا في عالم الاعلام المعاصر ، الا ان هذا التوسع مهنيا سبب تراجعا حادا في الثقة محليا بسبب تراجع الاداء بفعل زيادة الرغبه لدى كثيرين في تولي شرف التمثيل الاعلامي دون تقديم المسؤوليات الاساسية على الجانب الادائي المحترف مع ان المحك هو في الاعلام التنموي المتطور دورا واداءا الذي يرسخ قيم الديمقراطية والحوار والتوعية بدل تحويل بعض المنابر الى منصات نقاش غير مسؤول ويملأ مساحات اعلامية يجب ان تستغل لخدمة الجميع بما يشي بالاستعراض الذاتي والاستعلاء والفوقية الاعلامية في اشارة الى مواقفية مسكونة بوهم النبوة الاعلامية لدى كثيرين .
عودة الى ما انجز في بيت الصحفيين الكبير نقابتهم الموقره فان جملة نشاطات نوعية تعتبر تعزيزا مباشرا للاداء من مقترحات تفعيل صندوق الاستثمار ووحدة المساعدة القانونية وحيوية وفاعلية النقيب واعضاء المجلس هي مؤشرات حقيقية على مسير متزن على طريق مهنة برسم المسؤوليات .
المسؤوليات الحقيقية التي يتحملها الصحافيون المهنيون وتفعيلها هي المحك الصلب الذي تتراجع امامه كل العناصر الاعلامية غير المستعدة لتحمل هذه المسؤوليات وغير القادرة على اداء التضحيات الاساسية وحتما وبالضرورة سيسقط النوع الاعلامي الرديء امام قوة المسؤوليات التي تشكل العبء الاخلاقي الكبير الذي لا يقوى على حمله الطارئون .