السويداء: غليان وسخط شعبي مع تشييع الضحايا
وسط غليان وسخط شعبي ضد النظام السوري، تحاول محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية لملمة جراحها بعد المجزرة البشعة بحق أبنائها، حيث جرى أمس تشييع العشرات منهم الذين قتلوا في هجمات لتنظيم «الدولة»، التي ارتفعت حصيلتها الى 250 قتيلاً، في أكبر عملية لتنظيم «الدولة» منذ بداية النزاع في 2011 في السويداء جنوبي سوريا، التي حافظت لحقبة طويلة ناهزت السبع سنوات على سياسة «النأي بالنفس»، بينما أرّخ النظام صفحة جديدة من القتل والعنف الدموي، تضاف إلى سجله الأسود، بعد أن أرقته طبيعة ما اتبع من قبل أهالي السويداء من سياسة «الحكم الذاتي»، حيث ترجم خبراء ومحللون فسح المجال لتنظيم «الدولة» بالهجوم على منطقة جبل العرب بعد نقل أكثر من 1000 مقاتل إلى بادية السويداء بموجب اتفاق «مخيم اليرموك» مع تنظيم الدولة، بالكشف عن نية علنية لدى روسيا والنظام السوري، بمحاولة جعل الدروز «شرطة» المنطقة الجنوبية، بعد الانسحاب الإيراني الذي يتمّ الترتيب له.
وفي هذا الإطار قال المعارض السوري ماهر شرف الدين إن الاجتماع الأخير للوفد الروسي مع وجهاء السويداء، الذي عقد في الواحد والعشرين من الشهر الجاري في مقر مشيخة عقل الطائفة، كشف بكل صراحة بأن جيش الأسد لا يملك الأعداد الكافية لتغطية انسحاب ميليشيات إيران في الجنوب، ولذلك طالب الروس مشايخ الجبل بالتحاق 40 ألف متخلّف عن الخدمة العسكرية، وسط التهديد بتصنيف حركة مشايخ الكرامة كـ»حركة إرهابية» كونها المسؤولة عن تقديم الغطاء لعدم التحاق الشباب الدروز بالجيش.
وجرى التواطؤ ضد أبناء السويداء وسط إيعاز من النظام السوري لجميع عناصره بالانسحاب من مناطق واسعة في بادية السويداء، التي تمّ الهجوم منها، فيما جرد قادة ميليشياته القرى المستهدفة من السلاح، قبل أسبوعين من الهجوم.
وأعرب شرف الدين عن تأكده على ضلوع المذيعة السورية كنانة حويجة مباشرة في المجازر، التي حصلت بحق المدنيين في المحافظة، لافتاً الى أن «حويجة، ابنة اللواء إبراهيم حويجة، الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الجوية، وهي عرَّابة صفقة نقل مسلحي داعش من مخيّم اليرموك إلى بادية السويداء».
سيناريو لا جديد فيه، برأي العديد من أهالي السويداء، الذين ربطوا بين تسلسل الأحداث قبيل اغتيال وحيد البلعوس المعروف، بمكانته لدى الطائفة الدرزية، والمجازر التي أزهقت أرواح أكثر من مئتي مدني، حيث بيّن أنه في «يوم اغتيال الشيخ وحيد البلعوس ورفاقه انتظر المجرمون حتى تجمّع الناس في المشفى وقاموا بالتفجير، واليوم يعاد السيناريو نفسه».
من جانبه أوضح نور رضوان، مسؤول شبكة أخبار «السويداء 24» لـ«القدس العربي»، أن أكثر من 240 قتيلاً قضوا في الهجمات الانتحارية يوم أمس، بينهم نحو 34 طفلاً وامرأة، وسط صدمة يحاول الأهالي استيعابها، بسبب إحراق عناصر التنظيم لعشرات المنازل التي اقتحموها في ثماني قرى متاخمة لبادية السويداء. وأكدت مصادر أهلية من مدينة السويداء لـ«القدس العربي»، أن أكثر من 45 شخصاً بينهم نساء وأطفال لا يزال مصيرهم مجهولاً، بعد ان اختطفهم عناصر التنظيم خلال تنفيذ الهجمات على قرية الشبكي، وساقوهم الى مقراتهم في البادية».
وقال رضوان إن مسلحي التنظيم دخلوا بداية إلى السويداء ما بين الساعة الخامسة والسادسة فجراً، مستقلين دراجات نارية، حيث أطلق بعضهم النار بشكل عشوائي على المدنيين، ثم فجر أربعة منهم أنفسهم بالأحزمة الناسفة في سوق الخضار، وقرب دوار المشنقة، ودوار النجمة، وحي المسلخ، بينما طارد الأهالي بعض الانتحاريين، فيما فجّر أحدهم نفسه في مبنى قيد الإنشاء بعد حصاره، ما أسفر عن مقتل 50 مدنياً وجرح أضعافهم. أما في ريف السويداء الشرقي الذي شهد أعنف المواجهات، فقد نفذ عناصر تنظيم «الدولة» هجمات انتحارية على مجموعة من القرى فجر الأربعاء، وانقسم خلاله التنظيم إلى مجموعات تضم كل واحدة منها ما بين ثلاثين الى خمسين عنصراً، مزودين ببنادق آلية ورشاشات وأحزمة ناسفة، فضلاً عن مجموعات أخرى مزودة بالقناصات ومدافع الهاون، نشرهم التنظيم على أطراف القرى المستهدفة.
كما هاجم التنظيم نقطة للفصائل المحلية في تل «الهش» الواقع شرقي قرية دوما وقتلوا عناصر الحماية الموجودة فيها، بالتزامن مع هجوم مجموعة أخرى على منازل المدنيين في قرية دوما. ووصفت الاشتباكات بالعنيفة ووثق المرصد السوري 56 قتيلاً من عناصر التنظيم الذين قتلوا في هذا الهجوم، ضمنهم 7 فجروا أنفسهم في المدينة وفي ريف المدينة.
وأمس كان لافتاً إقدام العشرات من أبناء محافظة السويداء على طرد رئيس فرع حزب البعث ومحافظ النظام السوري إبراهيم العشي، بالإضافة إلى قائد شرطة المحافظة خلال تشييع ثلاثة شبان، حملوا السلاح لمواجهة توغل تنظيم الدولة شرقي السويداء.
مصادر محلية أكدت أن الأهالي، انهالوا بسيل من الشتائم وتحميل قوات النظام السوري مسؤولية الهجوم الذي نفذه تنظيم الدولة، والمجازر التي ارتكبها، كما عبر الأهالي عن سخطهم لامتناع النظام عن إرسال تعزيزات عسكرية إلى مواقع المواجهات.
المشيعون اتهموا المحافظ «العشي» وقائد الشرطة بالتقصير في حماية الأهالي، والتورط في استقدام عناصر تنظيم «الدولة»، ووضعهم على الحدود الإدارية في ريف السويداء الشرقي، بالإضافة إلى تعمد سلطات الأسد سحب السلاح من ميليشيات الدفاع الوطني والأهالي في المناطق المستهدفة.