أ.د. خلف الطاهات
قبل أيام أٌعلن عن التصنيف السنوي العالمي الجديد لأفضل الجامعات في العالم، وحمل هذا التصنيف تقدما تاريخيا غير مسبوقا لعدد من الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة وتحديدا الأردنية واليرموك ,والتكنو والألمانية والأهلية والاميرة سمية والعلوم التطبيقية.
قبل هذا التصنيف كان البعض يكتب منتقدا بروح الغيرة والحرص لتحسين أداء وسمعة جامعاتنا الوطنية، فيما تنافس إعلاميا البعض القليل لضرب سمعة جامعاتنا الأردنية من تحت الحزام عبر منصات التواصل بدواعي الصالح العام، ولا يأبه البتة لمخاطر تشويه سمعة التعليم العالي في الأردن الذي يعتبر اهم إرث انتجته الدولة الأردنية منذ مائة عام على تأسيسها، لدرجة ان هذه العقول التي تنتجها جامعاتنا هي التي ساهمت بفاعليه وقوة في بناء وتقدم ليس الأردن فحسب، بل دول عربية شقيقه كما احتضنت دول غربية العقول المميزة الأردنية ودعمتها ومكّنتها في بلدانها.
صحيح حالة الجامعات الأردنية ليست مثالية، والتمنيات والطموحات تحتاج لمعجزات استثنائية للنهوض بها والسير نحو معارج الرفعة والتقدم وان تأخذ جامعاتنا مكانها الطليعي، ودورها المأمول بين شقيقاتها العربية في النهضة المعرفية ومسيرة التقدم العلمي. وبرغم التحديات وقلة الموارد وثقل المديونيات وهجرة العقول الاكاديمية، استطاعت جامعاتنا الأردنية وبإصرار وعزيمة كواردها وأكاديمييها المتألقين وصدق الإحساس بالمسؤولية من اداراتها الجامعية ان تشق طريقها وتطوع التحديات، وتتفوق على الظروف، وتستثمر بالقليل المتاح، وتجد لها في لُجة هذا السواد القاتم نور ساطع اضاء عتمة الليل ووضع جامعاتنا الأردنية تحت نور الشمس الساطعة لها حضورها ومكانتها التي تليق بالأردن كحاضنة حقيقية للعقول البشرية المبدعة.
كنت طالبا تخرج من جامعات ذات تصنيف عالمي مميز حينها مثل جامعة قطر واوكلاهوما واعمل حاليا أكاديمي في جامعة الامارات العربية المتحدة المصنفة أيضا عالميا منذ سنوات ممتدة وطويلة، واعلم كما يعلم غيري من الاكاديميين قيمة ومعنى ان تكون طالبا او أكاديميا في جامعة ضمن قائمة الأفضل والاميز والاعلى تصنيفا في العالم.
وهو انجاز اجزم لا يقل أهميته وحضوره وطنيا عن بقية مناسبات وطنية كبيرة او إنجازات الأردن العملاقة مثل تأهل الأردن التاريخي لبطولة كاس اسيا في الدوحة!!! للأسف الشديد، كان موضوع التقدم في تصنيف جامعاتنا المحلية قد مر مرور السحاب إعلاميا ورسميا، ولم يتم ابرازه كما يليق امام الراي العام، وكأن إنجازا لم يتحقق، او تقدما لم يلمس، فغابت ثقافة تعزيز المنجز الوطني في زمن سادت فيه السلبية واللطميات وبكائيات منفصلة عن الواقع. ربما ان البعض لقلة خبرة ودراية لا يرى ان تقدم الجامعات وتصنيفها أولوية تستحق الرعاية والدعم والاهتمام المستمر.
لا شك ان تقدم تصنيف الجامعات الأردنية في تصنيف QS العالمي له أهمية كبيرة في عدة جوانب تتعلق بالسمعة والتقدير للتعليم العالي في الأردن، واهمها ان هذا التصنيف يسهم بصورة كبيرة في جذب الطلاب الدوليين الذين غالباً ما ينظرون إلى التصنيفات العالمية كمؤشر على جودة التعليم والبيئة الأكاديمية. وكذلك يسهم التصنيف في تحسين التمويل والتبرعات خاصة للجامعات التي تحقق تقدماً في التصنيفات العالمية قد تكون أكثر جذباً للتمويل البحثي الخارجي والتبرعات، حيث يمكن أن يراهن المانحون على نجاح الجامعات المرموقة. ناهيك عن فرصة حقيقية لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي، حيث تسعى الجامعات المرموقة عالمياً الى توقيع شراكات بحثية وأكاديمية مع جامعات ومؤسسات عالمية أخرى، مما يعزز من مكانة الجامعات الأردنية في المجتمع الأكاديمي العالمي. والاهم من ذلك هو تحسين مكانة الخريجين الذين قد يستفيدون من السمعة الاكاديمية لجامعاتهم ذات التصنيف المرموق أثناء البحث عن فرص العمل داخل الأردن وعلى المستوى الدولي. كما ان التصنيف الدولي يمكن ان يكون محفزا للجامعات لتحسين معاييرها التعليمية والبحثية، وتعزيز مواردها وبنيتها التحتية، بهدف الارتقاء بمرتبتها في التصنيفات العالمية.
لم يتحقق هذا التصنيف العالمي الملحوظ لجامعتنا من فراغ، فالتقدم في التصنيف مؤشر حقيقي وواضح على ان إدارة الجامعات تلعب دوراً حاسماً في وضع رؤية واضحة واستراتيجيات محكمة لتعزيز الجودة التعليمية والبحثية. استراتيجيات قوية تساهم في تحقيق نتائج إيجابية في مؤشرات التصنيف العالمي مثل الأبحاث، وجودة التدريس، والهيكل الأكاديمي. كذلك يقف وراء هذا التقدم كفاءة إدارة الموارد المالية والبشرية والتي تؤثر بشكل كبير على قدرة الجامعة على تطوير البنية التحتية، وتوظيف أعضاء هيئة تدريس مؤهلين، ودعم الأبحاث والبرامج الأكاديمية المتميزة. الى جانب ذلك يعكس هذا التقدم في التنصيف نجاح لجامعاتنا في بناء شراكات دولية وإقليمية قوية تستفيد من تبادل المعرفة والتجارب والفرق البحثية المشتركة والموارد مع جامعات أخرى، مما يساهم في رفع مستوى التصنيف العالمي. وكذلك تحفيز البحث العلمي وتوفير الدعم للباحثين المتميزين يعزز من تأثير الجامعة في المجالات الأكاديمية ويساهم في تقديرها العالمي.
والسؤال هل نكتفي بما تحقق من انجاز؟ قطعا لا، بل هي بداية الطريق للحفاظ على التقدم في تصنيف الجامعات واستثمارها، ولهذا الطريق يحتاج الى أدوات وإجراءات على الحكومة والدولة اتخاذها وأبرزها تعزيز التمويل الحكومي عبر تخصيص ميزانيات كافية ومستدامة للجامعات، مع تحسين توزيع الأموال بشكل عادل وفقاً لاحتياجات الجامعات وأولوياتها الاستراتيجية. ومن تلك الإجراءات أيضا الاستثمار في تطوير البنية التحتية للجامعات بما في ذلك المختبرات، والمكتبات، والمرافق الرياضية، لتحسين بيئة التعلم والبحث. ودعم الأبحاث العلمية والتطوير التكنولوجي، وتشجيع الابتكار والريادة، من خلال منح ومشاريع بحثية تعزز من تأثير الجامعات على المستوى العالمي. والاهم اطلاقا مبادرات لتشجيع التعاون والشراكات بين الجامعات والقطاع الصناعي لتحقيق التطبيقات العملية للبحوث وتحسين فرص التوظيف للخريجين. ناهيك عن أهمية تقديم تشجيعات ومكافآت للجامعات التي تحقق نتائج ممتازة في التصنيفات العالمية، وتعزيز التنافسية بين الجامعات الأردنية لتحسين مستوياتها الأكاديمية والبحثية.
باختصار، تلعب الحكومة دوراً رئيسياً في توفير الدعم المالي والتنظيمي والاستراتيجي للجامعات، وذلك من خلال سياسات واستراتيجيات تعزز التطوير المستدام والتحسين
المستمر في القطاع التعليمي العالي، مما يسهم في الحفاظ على التقدم والتأثير الإيجابي للجامعات في التصنيفات العالمية. مرة أخرى، حق لنا ان نفخر بهذا التقدم غير المسبوق لتصنيف جامعاتنا الأردنية عالميا، وهو انجاز تاريخي كان كفيلا ان يلفت انتباه المسؤولين في دوائر صنع القرار لتكريم جامعاتنا ضمن احتفالات الأردن باليوبيل الفضي لتسلم جلالته سلطاته الدستورية. فهل نرى في المستقبل القريب التفاته حقيقية وجادة من مؤسسات الدولة لدور جامعاتنا في الترويج للأردن ومكانته عبر مزيد من دعم حقيقي وكبير لجامعاتنا في التصنيفات العالمية؟