إبراهيم غرايبة
جاءت اللقاءات التي جرت في الدوحة بين الولايات المتحدة وحماس لتؤكد مقولة معزولة وإن كانت منطقية بأن حماس مرشحة بقوة لتؤدي دورا مهما في مستقبل فلسطين برغم صحة كل ما يقال ويبدو عن رفض استمرار حماس كلاعب سياسي مستقبلي في فلسطين. هناك أيضا فكرة مشاريع الغاز المستقبلية والتي تجعل مستقبل فلسطين والإقليم يتجاوز كونه صراعا فلسطينيا إسرائيليا، فموضوع الغاز بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أكبر من إسرائيل، وربما تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية بمفاوضاتها مع حماس على أنها تخطط للإقليم بمنظور عالمي وليس بمنظور الصراع الإقليمي. ذلك أيضا برغم صحة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية الوثيقة.
ليس يحكم حماس في مواقفها وعلاقاتها مع إسرائيل والدول المؤثرة والمحيطة سوى قوتها وقدرتها. هذا أمر لا ينطبق على حماس وحدها. بل هو قانون الصراع والتسويات والعلاقات. حركة فتح على سبيل المثال ظلت معادية لإسرائيل، وظلتا (إسرائيل وفتح) تتبادلان العداء والقتال حتى جرى الاتفاق السياسي والتسوية بين الطرفين، ليس بين اغتيال الرجل الثاني والتاريخي في فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ أبو إياد صلاح خلف وبين مؤتمر مدريد للسلام سوى بضعة شهور!
سوف تختفي حماس من المشهد السياسي والمستقبلي إذا ضعفت، وتضعف بقدر ما تخسر أو تفقد غطاءها المالي والسياسي والإقليمي والتنظيمي والشعبي، أما إذا بقيت قوية ومؤثرة فجميع الأطراف تريدها، لأن إسرائيل لا تريد اتفاقا مع شريك غير قادر على تنفيذ الاتفاق، ولن تستطيع أي جهة أخرى غير حماس من إدارة غزة أو إدارة وتنظيم اتفاق وتنسيق مع مصر والدول العربية والإقليمية، وتسويات مع إسرائيل إلا إذا انتهت حماس أو ضعفت إلى درجة لا تعود قادرة على التأثير في المستقبل أو منع ما يجري، أما إذا بقيت قادرة فلا حاجة للبديل، ولا معنى لاتفاق مع غيرها، ولا يمكن فرض بديل لها.
هل ضعفت حماس أو انتهت أو خرجت من الساحة الفلسطينية؟ مؤكد أن حماس خسرت كثيرا من المقاتلين والموارد، وخسرت أيضا من رصيدها السياسي والشعبي، لكنها تكتسب موارد اجتماعية جديدة وإضافية، وأنشأت زخما سياسيا وجماهيريا في الفضاء الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي، ويبدو أنها قادرة على الاستمرار متماسكة كتنظيم ووحدات مقاتلة وأمنية وتنظيمية، ومازالت تملك خطوط إمداد مالي وعسكري مكنتها من الاستمرار في المقاومة والصمود، وسوف تظل موجودة، وليس متوقعا أن طرفا من الفاعلين في القضية الفلسطينية بمن فيهم إسرائيل يرغب في إقصائها إذا بقيت قوية متماسكة، لأن البديل هو العجز والفوضى، وهما ما لا يريدهما أحد.
من المرجح على الأقل منطقيا أن قيادات حماس في غزة والضفة أيضا سوف تكرس نفسها واقعيا وسياسيا وتنظيميا، وسوف تتقبلها إسرائيل أو تقبل باستمرارها لأن ذلك شرط لاستمرار حماس وقدرتها في التفاهم والتفاوض والتنسيق، وبغير ذلك تحدث فوضى تضر بإسرائيل كما تضر الفلسطينيين. لذلك يتوقع أن يقود قادة حماس عمليات التفاوض والتسوية في مرحلة ما بعد الحرب، وكذلك العلاقات الإقليمية والخارجية لأنه لا يمكن أن تجري بفاعلية إلا بقيادات تملك القدرة والشرعية.
لقد أكدت حماس والمنظمات الفلسطينية مركزيتها الفلسطينية بالمعنى الميداني والجغرافي ولم تعد مؤسسات وجهات العمل خارج فلسطين تصلح إلا أن تكون امتدادا للداخل الفلسطيني؛ غزة والضفة الغربية. انتهت مركزية الخارج الفلسطيني، ولم يعد له أفق سوى أن يكون امتدادا للداخل، وربما يتأكد ذلك في المستقبل القريب بتغييرات قيادية وهيكلية يتوقع حدوثها في الفضاء الفلسطيني الخارجي على النحو الذي يعكس الوقائع الجديدة في الداخل الفلسطيني ومركزية الداخل. تأكد بذلك بوضوح في المفاوضات الأمريكية مع حماس؛ إذ كانت مع الحية، ولا يبدو للمجموعة المسماة حماس في الخارج (هي في الحقيقة مجموعة حولي المقيمين سابقا في الكويت، وتشكلت علاقتهم بحماس بالمصادفة) أثر أو دور في مستقبل غزة وفلسطين.
الخارج الفلسطيني وما يسمى “حماس في الخارج” سوف يعيد تعريف نفسه ودوره حسب الوقائع والاتجاهات الجديدة، لأن الفلسطينيين في الخارج كيان يحتاج إلى تعريف قانوني وعملي، ويحتاج أيضا إلى تنظيم وتوضيح بالنسبة لمجاله وقانونيته الفلسطينية والسياسية، فالفلسطينيون بالمعنى القانوني (حملة الجوازات الفلسطينية) ينشئون وقائع وعلاقات ومصالح مستمدة من وضعهم القانوني وطروفهم السياسية، والفلسطينيون (تاريخيا وهوية) لكنهم يحملون جنسيات أخرى وخاصة الأردنيين منهم يعيشون وقائع وظروفا سياسية وقانونية تحدد وضعهم وعلاقتهم بحماس الخارج.
الحال أن حماس الخارج لا تملك معنى لوجودها أو تفسيرا وشرعية تنظيمية أو فلسطينية أو أي شكل من أشكال الشرعية، ليس لها شرعية سوى امتدادها لحماس في غزة والضفة ولا معنى لها غير ذلك، وتظل محكومة بالشرعية التنظيمية والمحددات القانونية في البلدان التي يحمل الفلسطينيون جنسيتها أو يقيمون فيها. سوف تعرّف حماس (حتما سوف تفعل ذلك) نفسها وجماعتها ومصادر شرعية القادة فيها وآليات اختيارهم ومحاسبتهم وعزلهم، لأنها بغير ذلك لن تقدر على إدارة شؤونها وعلاقاتها وترميم جراحها ومخاسرها.