الملكة .. أنموذج للمرأة الشرقية
كتبت:الدكتورة ردينه بطارسة
الشرق الساحر.. ذلك الفص الأهم من قلب العالم، وفقا لنظرية عالم الجيوبوليتيكا ما كندر، حيث كان محور نظريته ،أن الذي يسيطر على المنطقة المسماة بقلب العالم قادر على السيطرة على العالم ككل ،وفي هذا تتأكد قناعاتنا ، أن الشرق قد احتل من تفكير القادة والعلماء العظام الكثير على مر السنون ، ليس فقط لما يتمتع به الشرق من قيمة معنوية وجغرافية وتاريخية ولكن أيضا لارتباط هذا الجزء من الكون بالبدايات ، البدايات التي هي مفتاح دولاب الكون ،الشرق ونشتق منه الشروق حيث ولادة الأيام تتحقق عندما تشق أذرع الشمس ،تلك الأثيلة عباب الغيم وتخلع رداء السواد الليلي عن وجنات الخليقة ، لتعلن انهزام الظلام بسيف النور ، فقط من هنا من قلب الشرق تكون البدايات كما كانت نهايات المعارك الحاسمة .
أطلب المعذرة هذه المرة ،من القراء الرجال الأعزاء ،فبالرغم من كرهي للمنحازين وأصحاب القيادة بأسلوب الجماعات ، إلا أنني اليوم أكتب منحازة عن المرأة في عيدها وليس معيب علي أن أخص المرأة هنا ، عن بنت الشرق أكتب حيث الأصالة والبهاء ، ولنا في عبق الشرق أن نسافر على شراع تلك الأسطورة القديمة ،تعود بنا الى مؤلها الأصلي ، الى ماض من نسج خيالاتنا، نعشق تفاصيله، نستحضر شخصيات في الذاكرة ، قادة من رجال ونساء، غيروا وجه الأرض وانطلقوا الى كل أرجاء المعمورة متسلحين بكنوز الشرق من شجاعة وشهامة وكرامة وأنفه وكلها مؤنثة ..هم أبطال لا يشبهون غيرهم ،حملهم رحم امرأة لا تشبه غيرها من النساء وتهدهدوا على ذراع امرأة كتب في وصفها ،أنها الناقة التي تساعد الرجل على اجتياز الصحراء ،امرأة تقتل العاشقين ببريق عيونها وتنتهر الشر في قلب أعداءها لتربح كل معارك الصمود ،امرأة حملت في دماءها جينات زنوبيا ودهاء شجرة الدر ، في عباءتها تختبئ قصاصات من روايات بطولات نساء الشرق وفي غياهب شعرها المحنى بالشجاعة تنتهرك حوريات بحور لا تجرؤ أن تقربها من الرهبة ،لن تتمكن من تمييز سبب جمالها ورونقها الذي يسيطر على المكان بجميع مكوناته هي لا تشبه الأخريات ، تمتلك التعويذة الخاصة بسحر الشرق ، حضورها يلغي غيرها ، هي التي تخالها أمامك في تجليات سحرها ،حتى وإن لم تنظرها عينك ،إنها الصورة الحية لامرأة بألف رجل ،إنها المرأة الشرقية ،التي أكتب عنها هذا العيد بكل فخر وسمو .
مضت بي السنون وأنا أكتب بالفطرة عن نساء بلادي العربية ، وقد حرصت في كل عام أن لا تفوتني مناسبة يوم المرأة العالمي بالاحتفال عزفا بقلمي ، وقد مرت خلال السنوات الخمس الأخيرة أحداث دامية تركت في قلب النساء العربيات جروحا نازفة سرقت منهن فرحة الاحتفال ، دفعتني تلك الجروح التي لم تغلق بعد ،للكتابة عن تلك النساء المسحوقات المجروحات المكبلات بالحزن والشقاء في وطننا العربي ، ولكني هذا العام والعالم يحتفل بيوم المرأة العالمي ،اخترت أن أرتقي وأبتهج بثوب من الزهو والفخار ويعلو صوتي بتحية كبيرة وصيحة مليئة بالحماس ،لأكتب بضع كلمات عن امرأة لا تحتاج إلى من يكتب عنها ، بقدر احتياجها الى من يساندها في مساعي الخير والعطاء التي ترنو لتحقيقها على أرض الواقع ،ليلا نهارا ، تلك المرأة الأنموذج لبنات الشرق ونساء العروبة ، تلك التي انطبق فيها وصف الكاتب عن العطاء بمنتهى السخاء عندما قال (ليس السخاء ،بأن تعطيني ما أنا في حاجة إليه أكثر منك،بل السخاء في أن تعطيني ما تحتاج إليه أكثر مني ) ، كانت وما زالت على الدوام عنوان وأنموذج لكل من ذكر المرأة الشرقية في كل بقاع الكون ، إنها صاحبة الجلالة الهاشمية حاملة تاج سيد البلاد وقائد مسيرتها جلالة الملكة رانيا العبد لله المعظمة حفظها الله ورعاها .
جلالة الملكة ، التي آمنت بأن الإنسان هو محور البناء والتنمية ورفعة الشعوب ، وأن المكون البشري أغلى من كل كنوز العالم ، هي التي دعت أبناء مجتمعها الى التعاضد وتوحيد الرؤى من أجل بناء حياة أفضل لأبناء المستقبل في الأردن والوطن العربي ، آمنت أن الإنسان يستطيع إحداث التغيير في هذا العالم ،كل منا يمكنه أن يساهم ، في كلمة ،في جملة ،في صورة ولكن عندما تكون أيدينا متشابكة معا ،وكلنا إيمان أن كل واحد منا ،هو في داخل من يحيطه وأن الآخر في داخله ، من أجل أن نخط معا كتاب الحياة ونبني مسيرة للمجد ، مترجمين معنى جملة باولو ويلو ( سعادة الواحد في سعادة الجميع ) ، نعم عزيزاتي بنات هاشم ، ارفعن الرأس عاليا والبسن رداء العز متباهيات ، تلك المليكة الأنيقة مظهرا وعقلا ،الحكيمة في اقترابها من تفاصيل حياة الناس من خلال تنفيذ مشاريع دعم المرأة الأم والمربية والمعلمة والمبدعة من أجل بناء مجتمع متعلم ومبدع .
لا أريد أن أطيل الحديث وأنا أتكلم عن جلالتها، فهي وكما أسلفت لا تنتظر من الناس مديح ولا شكر، ولكني فقط أود القول أن جلالتها من منظور العالم لا تمثل مليكة الأردن فقط، ولكنها عرابة لكل النشميات العربيات، تحمل معها ثقافة المرأة العربية وألقها وذكاءها وهيبتها وسحرها الشرقي الى كل المحافل، بالتالي عندما أتباهى بها في يوم المرأة العالمي، أنا بالواقع أتباهى بكل نساء العروبة الماجدات.
في الختام أقول، أن الاحتفال بمناسبة يوم المرأة العالمي لا يتجاوز في نظر البعض إقامة ندوات واحتفالات تقليدية تنتهي بتوزيع الحلوى والزهور كما تبتدأ بإلقاء الخطابات الرنانة، ولكن في منظوري الشخصي البسيط أرى أن الاحتفال الأبهى هو تعظيم الإنجازات لنساء العروبة ونساء الأردن النشميات الفاضلات ولهن حقا أن يفتخرن بجلالة الملكة رانيا العبدلله المعظمة في كل يوم وليس في هذا اليوم فحسب …كل عام وأنتن جميعا بألف خير.. كل عام وأنت مولاتي الغالية بألف خير .