حقوق الإنسان في غزة في ظل النفاق الإنساني وازدواجية المعايير
Double Standerds & Humanitarian Hypocrisy
بقلم:محمد عميشات
تمخض عن الحرب العالمية الثانية، وما تسببت به من ويلات من قتل ودمار ووحشية، وانتهاك الحقوق والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية كافة ولادة ما يسمى اليوم بـ”الأمم المتحدة” التي تبنت من خلال جمعيتها العمومية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول لعام ١٩٤٨. فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الانطلاقة الأولى، وشعلة الأمل لتلك الأمم التي عانت الكثير من الحروب وويلاتها. فقد أصبح هذا الإعلان وبروتوكولاته الإضافية عالميا بامتياز من خلال عدد الدول التي وقعت على هذا الإعلان، حيث امتنع عدد قليل من الدول عن توقيعها ولو بالأحرف الأولى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. لكن سرعان ما تكشفت حقيقة هذا الإعلان الذي تجمل بشموليته ومحتواه، حيث بدأ يفعل كوسيلة وأداة بيد الدول العظمى لتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها، وقد تجلت بداية تلك الممارسات في فلسطين المحتلة من خلال تجاهل المجازر التي ارتكبت على أيدي الصهاينة، وتهجير أهلها وتوطين شتات العالم من اليهود؛ تنفيذا لأهداف الحركة الصهيونية العالمية التي تدعي أن فلسطين هي أرض الآباء والأجداد إيريتس يسرائيل ضاربًا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعرض الحائط…
إن التذرع بحقوق الإنسان لانتهاك حقوق الإنسان لم يتوقف منذ ذلك الإعلان، فكان الاجتياح الأمريكي وحلفائه على العراق، والذي راح نتيجته – وفق إحصائيات الأمم المتحدة – ما يزيد عن مليون قتيل، وهجرة الملايين إلى الداخل وإلى دول الجوار؛ بحجة حماية حقوق الأقليات من بطش النظام، واتهامه باطلا بامتلاك أسلحة كيمياوية تذرع بها الغرب على أنها تشكل خطرًا على المدنيين، ولم تكن الحالة السورية واليمنية واللبنانية والليبية والسودانية والأقليات المسلمة في كافة أنحاء العالم بأفضل حال، حيث انتهكت حقوقهم الأساسية والدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بذريعة حماية حقوق الإنسان إن لعنة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد حلت بدول العالم الثالث، ولا سيما الدول العربية والإسلامية، فقتل من قتل وتهجر من تهجر، وتقسمت الأوطان، وانتزعت الثروات، وظهرت الجماعات المسلحة المتناحرة على خلفيات عقائدية وطائفية وأيدلوجية، مما عمق المأساة، وتسببت في ديمومة هذه المعاناة .
إن ما يتعرض له قطاع غزة اليوم من إبادة جماعية، وتهجير قسري، وتجويع وتدمير كل مناحي الحياة أمام مرأى العالم الديمقراطي المتحضر، والذي ما سكن عن المناداة بالديمقراطية وحقوق الإنسان في أروقة الأمم المتحدة، والمسارح والمنتديات العالمية التي ما لبثت أن تكشفت حقيقتها، وأزيل عن وجهها القناع فأظهرت ازدواجية المعايير بأبشع صورها نحو حقوق الإنسان في غزّة من خلال إطلاق يد الآلة العسكرية الصهيونية؛ كي تعيث دمارًا وقتلا بدعم لا سابق له سياسيا واقتصاديًا وعسكريا وإعلاميًا، واعتبرته دفاعا عن النفس ، حيث تسبب في قتل ما يزيد على ٢٦٠٠٠ ألف و ۷۰۰۰۰ ألف جريح.
إن الازدواجية في المعايير الإنسانية والنفاق الإنساني مورس أيضًا في حرب البلقان عام ١٩٩٢ التي شنت على الضرب بقيادة الناتو لنصرة الأقليات المسلمة في البوسنة والهرسك – في ظاهرها – ما جاءت إلا بعد قتل وتهجير عشرات الآلاف من المسلمين، وكانت لغايات سياسية بحتة؛ لتقزيم النفوذ الروسي في البلقان ، واليوم يسعى الغرب إلى عزل روسيا، وتشويه صورتها عالميًا؛ بسب انتهاكها لحقوق الإنسان في أوكرانيا، وخير شاهد على ذلك مؤتمر مجموعة العشرين في الهند الذي سبق بقليل حرب غزة، والذي تجيشت له معظم دول العالم لنصرة أوكرانيا، والدفاع عن حقوق الإنسان المزعومة فيها.
وختامًا إن ما يجري اليوم من تخاذل وتواطؤ عالمي وإقليمي في غزة والضفة الغربية أكبر دليل على عجز كبرى المنظمات الأممية والحقوقية أمام الآلة الصهيونية والغربية عن حفظ كرامة الإنسان البشرية، وحقه في الحياة، وأثبتت أيضًا بما لا يدع مجالا للريب بأن وجه السياسة من عظم لا يندى باتفاقيات ولا مواثيق، وأن الإنسانية ما هي إلا ترانيم تنشد عند رؤوس ضحاياها، وأن صوت القوة هو الذي يعلو، وأن القوة هي من تعرف الحقوق متى شاءت وكيفما شاءت.