كتب:يوسف محمود لا أبالغ حين أقول إنه الدكتور منيف الرزاز رحمه الله قد أحسن فهم “الوعي القومي” على نحو يختلف عن فهم الكثير من عربنا ممن جاء وعيهم” بسيطا ً عفوياً عاطفياً”.
قرأ هذا النوع من “الوعي” قراءة عميقة راداً أسباب فشل مشاريع الوحدة العربية إلى غلبة هذا النوع من الوعي على عقلية قادة هذه المشاريع. هم في رأيه ربطوا نضج هذا الوعي وسلامته بـ”الأشخاص” مما “جعل الحلول القومية كلها في شخص واحد.” د.منيف الرزاز:” معالم الحياة العربية الجديدة” بيروت :ص ١١.
اعتبر هذا الراحل الكبير رحمه الله أن الوعي المرتبط بالأشخاص فحسب لا يبني أوطاناً حقيقية؛ إنه وعي غير مكتمل.
منيف الرزاز بمفرداته هذه يفضح “عواراً” عربياً، ما زال سائداً إلى اليوم. انتقد مسؤولين عربا، ولا أقول كلهم، الذين “يشخصنون” الحكم ولا يشاورون غالباً إلا من يسير على هواهم. وتلك في رأيه مأساة تعيشها “الحرية” و”الديمقراطية” إلى الآن!. “شخصنة الحكم” تقليد ما زال سائداً، “شخصنة الحكم” اغتيال للديمقراطية.
بعد ذلك يلفت الرزاز إلى ظاهرة غير صحية واكبت عملية النضال العربي ضد الاستعمار وهي أن “كل بلد من هذه البلدان التي جزئت وقسمت قد ناضل وحده ضد الاستعمار من جهة، وضد مظاهر التأخر الداخلية من جهة أخرى دون أن يتعاون مع بقية العالم العربي. وعي تجاهله الكثير من عربنا” المرجع السابق ص ٢٣ ، ومع الأسف ما زال هذا الواقع الأليم هو السائد عربياً. انتفى الوعي القومي المنفتح على الأهداف النبيلة، ليحل محله استبداد ودكتاتورية لا تقيم وزناً لآراء الجماهير، بالطبع ثمة استثناءات قليلة.
وفي تطرقه إلى “الأحزاب العربية” يرى منيف الرزاز أن وجودها ضروري وأن الحكم الديمقراطي لا يمكن أن يتحقق بغيرها، ولكن شريطة أن يكون لها برامج “غير واسعة وفضفاضة “لا يمكن أن يجد فيها الإنسان تحديداً لرأي ما.
وهنا نراه ينتقد الناخب في بلداننا العربية الذي يذهب إلى صندوق الانتخاب ليعطي صوته لا إلى هذا الحزب أو ذاك، ولكن إلى هذا الشخص أو ذاك، وكأن الأشخاص هم أسس الحياة الديمقراطية لا الأحزاب!
رحم الله منيف الرزاز فقد وصف علل القومية وصفا دقيقاً، تلك العلل التي لم نتعافَ منها بعد.