في ظنّي أنّ من يعتقد بضرورة عويل البكاء على ما يجري في غزّة مخطئ، فهو زمن الفرح والاحتفال المتواصل بالنصر، وفي ظنّي أكثر أنّ أغنية واحدة قد تعبّر عن حلمنا جميعاً، وأنّ بيتاً في قصيدة قد يُلخّص مسيرة المساحة التي لا تزيد على ثلاثمئة وخمسين كيلومتراً مربّعاً.
نحن نخرج على السياق المتداول، فنقول: كلّ المسيرات في عواصم العالم كانت تُغنّي لغزّة، وليس من الأسرار أنّ “ليفي بالستينا” صارت أيقونة ونحفظها عن ظهر قلب، وهي أغنية تدمع العيون معها فرحاً، لا حزناً.
في جرش آلاف الأعمدة، ومسرحان رومانيان كبيران، وشوارع مبلّطة منذ ألفي سنة وأكثر، وهذا كلّّه أصمّ أبكم، ولكنّها باتت باحة مفتوحة للأصالة النظيفة: الوطنية، والعربية، والانسانية، وتمّ اختبارها على أرض الواقع.
لستُ أنسى سهرة عشاء في جرش مع مارسيل خليفة، بعد انتهائه من وصلته، حين فوجئت بدموعه وقوله: لعلّ أغنيتي “منتصب القامة أمشي” صُنعت لمثل هذا المكان، فقلبي ينتفض هنا مع هذا الجمهور الحميم الذي يحفظني عن ظهر قلب.
نعم، أنا أدافع المهرجان، ولا أهاجم أحداً لا سمح الله، ولكنّ الذهاب بعيداً في التخوين أمر لا مجال لوجوده، وحتّى أدونيس الذين يهاجمونه الآن، فهو صاحب: قبر من أجل نيويورك!
سيطول الكلام، وفي مختصره أنّ نظافة واتقان الغناء والشعر واللوحات والموسيقى تليق بفرح غزّة ونصرها، ويليق بهذا كلّه أن يكون في جرش، التي تمثّل المكان الأردني، هذا الذي تفوّق على كلّ العالم في مناصرته وتوحّده مع فلسطين، وفي مطلق الأحوال فـ”ليفي بالستينا/ تحيا فلسطين” أغنية لعلّنا نسمعها في مهرجان جرش، وللحديث بقية!..