بترا- اخلاص القاضي- من ينسى صورة الطفلة الفيتنامية “كيم فوك” الهاربة من هول كارثة قنابل النابالم عام 1972، تلك الصورة المؤثرة القابعة في مكتبة التاريخ حول رعب الحروب، هي واحدة من صور تجذرت في الذاكرة، وتركت ابلغ الأثر في وجدان الإنسانية.
صور “فوتوغرافية” وثقت على مدى التاريخ، تعاقب حضارات وحدوث اخفاقات وتحقيق انجازات واحتلالات تلتها انتصارات فتحرير، ثم سجلت قصص نجاح، فكوارث وثورات وتغييرات جذرية في حياة الامم، بلسان حال مراحلها، قاطعة الشك باليقين، متحدثة عن الف كلمة، حاشدة لرأي عام، مغيرة لمواقف وسياسات، موثقة لأحداث مفصلية حفرت على جدران الزمن. مصورون تحدثوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) عطفا على احتفاء العالم قبل ايام بيوم الصورة، والذي يصادف في 19 آب من كل عام، مشيرين إلى أهميتها في حياة الناس لأنها الكلمة الفصل التي لا جدال فيها، والتي تنقل بدورها مشاهد الانجاز كما الاهمال والتراخي، فهي لسان حال الواقع بلا رتوش.
ويؤكدون أن الصورة الصحفية تسهم في نشر المعلومات ذات المصداقية والموضوعية والحيادية، وتسير بملتقطها على خطى الحقيقة والحرية المسؤولة، لأنها وسيلة الرقابة والمتابعة لمسائل بعينها، ما يجعلها رديفا قويا لإصلاح خلل أو تعظيم منجز. فمنذ أن اخترع الفرنسيان “لويس داجير” و”جوزيف نيبس” التصوير الفوتوغرافي عام 1839، والتقطا أول صورة في التاريخ، أحدثا ثورة في توثيق لحظي لمشهد لا يحتمل الشك، غير وجه العالم، وجعل له أرشيفا يخدم الإنسان في المجالات كافة.
يشير رئيس قسم التصوير في (بترا) الزميل خليل الجرمي، إلى أهمية الصورة الصحفية التي تختزل آلاف الكلمات حين تتحدث عن الواقع، لأنها من اهم عناصر صنع المادة الصحفية.
ويذكر في هذا السياق، صورا طبعت في اذهان الناس، كصور فيتنام، واستشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة، وغيرها الكثير، لافتا إلى أن الصورة بحد ذاتها تعبر عن كل شيء في السراء والضراء.
المصور الصحفي الزميل ماجد جابر، يرى أن الصورة الصحفية من أهم أعمدة ابراز الحدث، وايصاله للناس بشكل اكثر وضوحا، مستشهدا بصور طبعت في الذاكرة على مدى سنوات سابقة، منها صور الحروب والمجاعات والاغتيالات، والاشتباكات والمناسبات السعيدة محليا واقليميا وعالميا.
وتساءل، من ينسى صور احراق المسجد الاقصى المبارك؟! أو صورة الطفلة الهاربة في فيتنام من قنابل النابالم، والفتاة الافغانية الصغيرة صاحبة اجمل عيون، وأحداث 11 سبتمبر في اميركا، والتفجير الإرهابي الغاشم على فنادق عمان، والزفاف الاسطوري للأمير البريطاني تشارلز، وصورة النسر والفتاة الإفريقية، وصور انفجار المرفأ في بيروت، وأول صورة التقطت للأرض من سطح القمر، وغيرها. المتخصص في الوسائط المتعددة (الملتيميديا) الزميل المصور رعد العضايلة، يقول: لا تقتصر وظيفة الصورة على الناحية الإخبارية أو الجمالية بل تتعداها للسيكولوجية القائمة على جذب الانتباه وتقديم الرسائل المؤثرة اثناء نشر الأخبار او التقارير، مشددا على اهمية الصورة لدى الرأي العام والمسؤولين على حد سواء.
يؤكد الزميل المصور ماجد كمال، أهمية ووقع الصورة وتأثيرها على حياة الأفراد والمجتمعات، معرجا على انها تاريخيا، كانت حكرا على الميسورين، ومع مرور الوقت اصبحت متاحة للجميع، وشمل توظيفها مناحي الحياة كافة، سواء الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية او القضائية، حيث تستخدم كقرينة او دليل او اثبات بحسب تقدير المرجع المعني.
ويستدرك، لكنها في الإعلام تثري الحدث، وتعزز من ايصال الرسائل، ولها الاهمية القصوى في ابراز القضايا والتحقق من صحة الأخبار، حيث تقوم احيانا بشرح ما يعجز القلم عن وصفه، خاصة القضايا الإنسانية.
من جهته، يذهب الزميل المصور ساهر قدارة إلى أن الصورة الصحفية لم تعد تفسر او تكمل المواد الصحفية فقط، بل تعدت ذلك احيانا لتصبح مادة صحفية مستقلة ومعبرة عن محتواها دون كلام، يعج بها الفضاء الصحفي اذا صح التعبير، لتحدث ما يسمى بالضجة الإعلامية، تاركة الاثر السلبي او الايجابي، لاسيما في ظل ازدياد سطوة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وتنوع مصادر الاخبار.
ولفت إلى ان اهمية الصورة الصحفية تنطلق من الرسالة التي يحملها المصور على عاتقه في ابراز المسائل المختلفة، بشقيها الجيد والسيء، مشيرا إلى صعوبات ومعوقات ترافق عمله، منها ظن بعضهم أن المصور لديه الفضول في فرض “عدسة كاميرته” على الواقع، لكن جل الامر، هو “اننا نقوم بواجبنا في نقل الحقائق، ولا نتطفل على خصوصيات الناس أو نضيق على حرياتهم، في سياق محاولة الوصول للحقيقة كما هي دون زيادة أو نقصان”.
من جانبها، الزميلة المصورة ريما البني، وهي أول مصورة صحفية في (بترا)، تقول إن قسما لا بأس به من المصورين الصحفيين، وهواة التصوير، تحول إلى ما يسمى المواطن الصحفي، حين يوثقون بعدسات هواتفهم الذكية الأحداث والتطورات، لينشروها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الصورة تعبر عن آلاف الكلمات، على حد وصفها.
وتبين أن الصورة تنقل بكل التفاصيل الدقيقة لحظة زمنية ما، تصبح في خانة الذكريات وتدخل التاريخ، ولا عودة للوراء إلا من خلال تصفحها وما حملته معها من تغييرات وتحولات، مؤكدة أن المصور الصحفي لا ينقل للناس الصور فحسب، بل يشترك في توثيق المشهد الكامل حول الحدث. وتعرج الزميلة البني على صناعة الصورة لأرشيف الحروب والأحداث الصعبة والمجاعات والحالات الإنسانية المليئة باختلاط المشاعر، كأننا امام “بانوراما”، تستحضر حالات تغيب عن الذاكرة اللحظية، لكنها في العمق، محفورة في الوجدان.