لست كاتبا ولم تكن كتابة المقالات يوما جزءا من نشاطاتي. ولكنني، وبعد أن استمعت إلى كلمة جلالة الملكة رانيا العبدالله حول وضع التعليم في بلدنا، تلك الكلمة الجريئة والرائعة، بعثت في نفسي آملاً كبيرة بأن قيادتنا على دراية تامة بما يجري، والأهم من ذلك، أنها قيادة مصمّمة على كسر القوالب الجامدة في نهج التعليم والانطلاق نحو آفاق عصرية، لا بد لها إلا أن تضيّق الهوة بيننا وبين العالم المتطور في زمن محدّد.
أقول، بعد أن استمعت لكلمة صاحبة الجلالة خلال الرعاية الملكية المشتركة من قبل صاحبي الجلالة لإطلاق استراتيجية تنمية الموارد البشرية، وجدت الكلمات تفيض في نفسي للتعبير عن تقديري وشديد إعجابي، وفوق ذلك إكباري واعتزازي بما نطقت الملكة رانيا به.
فالرعاية الملكية المشتركة في حد ذاتها رسالة مدوّية لكل من يشككّ بالالتزام بالاستراتيجية من قبل الدولة ومكوناتها المختلفة، ووجود صاحبي الجلالة على رأس حفل الإطلاق، وذلك الكلام العلمي والتشخيص الدقيق الذي قدمته الملكة، هما ضمانة انطلاق المسيرة حتى نهايتها.
أما المكاشفة والشفافية والمواجهة المباشرة التي عرّت مواقع الخلل بلا مواربة ولا تجميل مصطنع فهي الأسلوب الأمثل لتعريف المشكلة من أجل وضع الوصفة الكفيلة بحلّها.
وجهت الملكة خطابها لصاحب الجلالة قائلة:“أهم ما علمتنا هو أن أقصر الطرق لحل المشاكل هو مواجهتها، لا التجاهل، أن نرى الأمور على حقيقتها لأن تجميل المشاكل يأتي في المحصلة على حساب أجيال الأردن”.
وقد كان من الواضح أن الملكة رانيا ترى الأمور على حقيقتها، وتلك هي البداية. علينا أولاً أن نرى المشكلة ونعترف بوجودها، فالإنكار يبطل السعي إلى الحلول.
“اختلفت الآراء حول التعليم ولكن الاختلاف لم يكن يوماً على أهميته لأن التعليم يمس كل بيت أردني”، قالت جلالتها، “لا لتوزيع اللوم ولا لتحديد الجهة المسؤولة لأن الجميع يتحملون مسؤولية الحل”، وذلك هو الأهم.
والحل كما بيّنت الملكة رانيا ليس عن طريق الثروات ولا المعونات ولا عن طريق اكتشاف كنز مدفون يحلم به الكثيرون، كون الكنز الحقيقي مدفونا في عقول أبنائنا وما علينا إلا أن نُحسِن استخراجه.
فالموهبة، من وجهة نظر جلالتها، هي أغلى سلعة في عالمنا. والمعرفة والابتكار والتكنولوجيا هي مقومات النجاح لأي دولة ولسنا في الأردن استثناءً. إذن لا عذر لمن ينسبون التقصير والتخلف لعدم توفر المال لأن الثروة موجودة في العقول وهي أهم وأعظم من المال.
أبدعت جلالتها في تشخيص حال التعليم وأعطت أمثلة حقيقية وواقعية ومسنودة بالأرقام والإحصاءات لحال مدارسنا وضعف مخرجات تعليمنا وجمود مناهجنا وعجزها عن تحفيز العقول لاستشراف المعرفة واختراعها بدلاً من النكوص في قوالب الماضي واجترار ما عفا عليه الزمن.
ولست بصدد تكرار تلك الأمثلة الصارخة التي تضمنها خطاب الملكة رانيا ليقيني أن كل أردني غيور على مصلحة هذا البلد ومستقبله ومستقبل التعليم فيه سيدرس، لا فقط ليقرأ، خطاب جلالتها ويستخلص منه الوصفة الكاملة لإنقاذ العملية التعليمية من مياه الركود الآسنة.
لم تكتف الملكة رانيا بتوصيف المشكلة بل انطلقت إلى وضع الحلول، فهي تطالب بإعادة النظر في القضايا الهيكلية مثل إدارة التعليم ووضع سياسات تجلب الكفاءات العالية لمهنة التعليم وتحافظ على مستواهم وبنفس الأهمية المساءلة وتحمّل مسؤولية ضعف مخرجات التعليم وأسبابه.
وتطالب جلالتها بمناهج تثري التعليم وتفتح آفاق المعرفة ما يستوجب إنشاء مركز متخصص بمتابعة أحدث الأساليب التربوية في العالم وتطوير المناهج وتحديثها.
كما تطالب بمعلمين مؤهلين ما يستوجب إنشاء كلية لتأهيل المعلمين وتدريبهم.
كل ذلك حتى يكون التعليم الذي نقدمه لأبنائنا، كما ترى الملكة رانيا، على مدى اثني عشر عاماً، رحلة تستحق طفولتهم، تستحق وقتهم وثقتهم، وتزرع بذور حب العلم فيهم.
دعتنا جلالتها “لنقفز عشر سنوات من الزمان” إلى العام 2026 حيث سنجد حصص أطفالنا تنبض بالسؤال والتعبير وحيث سنجد الأردن من أفضل عشر دول في تحصيل الطلاب في الامتحانات الدولية”.
تطالب الملكة رانيا بأن تكون عملية إصلاح التعليم أولوية وطنية ومطلبية شعبية، اليوم والغد وبعد عشر سنوات كما تطالب بأن نكسر القوالب الفكرية والمحددات التقليدية التي جعلت تعليمنا جامدا لا حوار ولا حياة تنبض فيه.
إن كل ما ورد في مقالي هذا هو لمحات موجزة من خطاب متكامل شامل لم يترك جانباً من جوانب الحالة التعليمية إلا وتطرق إليها.
خطاب الملكة خطة طريق جديرة بكل الدعم من كل مكونات المجتمع. فالتعليم هو أساس نهضتنا وتقدمنا. وأساليب التعليم وأدواته، والتكنولوجيا من أهمها، تتقدم بسرعة فائقة وسنتخلّف ونوسع الهوّة بيننا وبين المستقبل إن أبطأنا في مواكبتها.
إنني على يقين أنني لم أوف الملكة رانيا حقها في هذه المقالة المقتضبة التي ما أردت من خلالها إلا التعبير عن تقديري واعتزازي وثقتي الكبيرة بأن الرعاية الملكية المشتركة لعملية التعليم، كما لكل عناصر النهضة في بلدنا الغالي هي ضمان النجاح والتقدم.