(هل الخصوصيَّة الشعريَّة كائنة؟)
سليم النجار
توطئة
– الأسير ناصر أبو سرور ينحدر من قرية بيت نتيف المُهجَّرة.
– سكَّان مخيم عايدة للاجئين- قضاء بيت لحم.
– من مواليد ١٥/ تشرين الثاني/ ١٩٦٩.
– اعتقل في الرابع من كانون الثاني ١٩٩٣.
– حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
– رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنه ضمن صفقات التبادل.
– خلال فترة اعتقاله حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسيَّة وشهادة الماجستير في ذات التخصُّص.
– شارك في كافة معارك وإضرابات الحركة الأسيرة.
– من مؤلفاته رواية “حكاية جدار”.
تمهيد
سؤال هذا العمل يَتَعلَّق بالبحث عن إمكانيَّة وجود خصوصيَّات في الأجناس الشعرية: مخيالاً، وتنظيماً اجتماعيَّاً، وفضاءً ورسالةً، ويتعلّق أيضاً بالبحث عن إمكانيَّة ممارسة تلك الخصوصيَّات إنْ وُجِدت راهناً. وقد اخترت هنا محاولة ناصر أبوسرور من المحاولات الجادَّة في وصف معاناة المُبدع الفلسطيني الأسير في سجون الإحتلال الإسرائيلي.
وهدف هذا العمل ليس في تَقنِيات الفنّ، بل يَندَرِجُ في إناسة الفنّ، محاولاً أن تكون مقاربته تاريخية/ تحليلة/ نفسية مُتَعدِّدَةِ الأبعاد. البحث عن الخُصوصيَّات في إمكانيَّةِ صراعها مع الإخضاع الانتحالي للمعتقل الإسرائيلي.
١- الخصوصية الشعرية كائنة؟
بيروتُ اختارتْ لَها عشيقاً أجملَ
مِنكَ وَهَذيْ رام الله
تَخونُكَ مع كُلِّ
عابِرِ طريقٍ رَآها
فريسةً أكيدة (ص١٩).
لقد وظَّف ناصر أبوسرور تقنية المسرح فضاءً شعريَّاً لم يكن محاكيَّاً للمكان وأحداثه، ولا إيهاميَّاً، بل يحاول تجاوزه وخلق طبيعة أخرى، أو رسم باطنه غير المرئي ومنطقه الكوني.
لكن الأمر يمكن تعميمه على كلِّ فنون العرب، باعتبار أنَّ العربيّ يسعى لخلق الحريَّة المُجنِّحَة، وإحياء ما مات في نفوس العامَّة، وإبراء عِلَلِّها وانهزاماتها:
عادت مواسمُ القتلِ
كُلُّنا أَجرَمْنا حينَ وُلِدْنا إناثاً
وكلكم أبرياء (ص٢٨).
٢- المسرح سؤال تعبيري.
إنَّ المسرح، باعتباره جِنساً تعبيريَّاً يعتمد الحركة والحوار على الركح، كان استبطانيَّاً، وأشكاله الرئيسة ثلاثة “فنون الخيال، وخيال الظل، وخيال الكلمة”:
مُؤَبَّد
مكانٌ خَلْفَ المكانِ لا يُطِلُّ على أحدٍ
هُنا يأتي
المُتَهَوِّرونَ
والقَلِقون من تَبدُّدِ الأحلامِ والنُّبوءاتِ
المُتَصَوَّفونَ
وحُرّاسُ الغابةِ والخَوارجُ والحَشّاشون وأحفادُ الذينَ
ماتوا واقِفينَ
ووافِقاتٍ
المُعَذَّبون
والمَحْرومونَ وأبناءُ الخيامِ وتُجَارُ الكلامِ والذينَ
يكذبونَ بلا تَوَقُّفٍ
والكاذِباتُ (ص٦٠- ٦١).
٣- مسرحٌ شعريٌّ مكشوف.
إنَّه مسرحٌ شعريٌّ غير ضوئي، يمكن أنْ يكون نهاريَّاً يعتمد الدُمى. ولم تكن تلك الدُمى تتجاوز عاداتها الثلاث: القتل، والقتل، والقتل. وهذا يعني أنَّ العدد ليس مُهِمَّاً، فالصِفة واحدة مادام المقصود الفلسطيني رفض أنْ يكون مثل الدُمى يهرول نحو تشتيت الذهن، وليس كالذي يرى أنَّ فكرة القتل قابلة للمساومة ويُصوِّرُها كحالة قَدَرِيَّة:
لا تكن سَاذِجَّاً أيُّها الحالِم
مَن يُصَدِّقُ باباً
أَصْلُه باب
فرعه باب
قلبه باب (ص١١٣-١١٤).
٤- فانوس الخيال (مسرح الكلمة).
اعتمد ناصر أبوسرور في رسم كلماته على ذات البشر والأحداث، وصَوَّرَ أنغامهُ كستارٍ يَثبُتُ في مصباحٍ كبيرٍ محيطاً بها من كل ناحيةٍ مُستَدِيرَة، وتوضع داخل المصباح عِدَّةَ شموع:
هم سبعةً
ما عادَ يَهُزُّكمْ مَوْتُهُم إذا
ماتوا
وغَيَّبَ الماءُ المالِحُ
مَلامِحَ الوجوه
سبعةٌ
هم أنتم في بطنِ الحوت في العام
القادم (ص١٢٦).
وتتعاقب الأحداث التي يرصدها الشاعر، والتي يمكن أنْ تكون مصحوبةً بحوارات:
مسرحاً مُهْمَلاً
هُنا تُقيمُ صَلاتَكَ كُلَّ يَوْمٍ، هُنا تُمارِسُ
أدواركَ الثانويةَ
ماتت فيكَ كُلُّ الأساطيرِ والشُّبُهات والبداياتُ
وَصِرْتَ عاديّاً
وقد تموتُ قَبْلَ مَواعيدِكَ المؤَجَّلة أو تُصْبِحُ
حَجَراً
ولا وَجْهَ لك (ص١٢٨- ١٢٩).
لقد بقي ناصر أبوسرور “خالقاً” لمسرحٍ في المعتقل الإسرائيلي على النمط الفلسطيني الذي حَوَّلَ المعتقل إلى جنسٍ حكَّائي مُعلِّماً ضمن السياقِ الانتِحَاليِّ للمقاوم الذي يرفضُ وجودَ مسرحٍ إسرائيليٍّ كشكلِ معتقل؛ بل هو قبو للقتل. في المقابل يخلق أبو سرور مسرحاً للكلمات كنصٍ شعريٍّ ذو نزعة ثوريَّة، كينونتها إعادة الخلق للحرية.
فالمسرحُ الشعريُّ الذي خلقه الشاعر ناصر أبو سرور في مجموعته الشعرية (عَن السِّجن وَأشياءٌ أُخرى) في القبو الإسرائيلي هو فنٌ حكواتيٌ فلسطينيٌ وشكلٌ من أشكالِ المقاومة ضد المُحتَّل، إنَّه صراعٌ بين الحياة الفلسطينية والموت الإسرائيلي. والشعر هنا جوهر الصمود الذي دعا له ناصر أبو سرور.