غضب وعتب واستياء ملكي في (8) رسائل غير مباشرة تضمنّها خطاب العرش بقلم: المستشار محمد الملكاوي “خطاب العرش” الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الأمة قبل عدة أيام يعتبر بوصلة الأردن للعام القادم 2021، لهذا حمل (الخطاب) معانٍ استثنائية كثيرة، وغضباً وعتباً واستياءً خفياً وغير مباشر بين السطور وما وراءها، وجهه على شكل رسائل ملكية مباشرة وغير مباشرة بشكل واضح وصريح ودون مواربة ليس فقط للسلطات الثلاثة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، بل تعدت (هذه الرسائل) ذلك إلى مختلف مكوّنات ومؤسسات الدولة الأردنية الرسمية وغير الرسمية، بما فيها الأحزاب والنقابات والجمعيات والإعلام والقطاع الخاص وغيرها من جهة، ناهيكم عن إيصالها إلى دول وأطراف المنطقة والإقليم من جهة أخرى. وأول هذه الرسائل الملكية غير المباشرة هو أن هذه الدولة الأردنية الهاشمية التي ستحتفل بمئويتها الأولى العام القادم صمدت رغم كل الأخطار والتحديات، فيما سقطت دولٌ عربية أخرى، كان العديد من الأردنيين يوالونها ويصفقون لها ويرفعون أعلامها وصور قادتها على الأرض الأردنية، هذا في الوقت الذي تتمنّى فيه شعوب تلك الدول حالياً لو أنها في الدولة الأردنية وجزءاً من الشعب الأردني، وهذا تأكيد ملكي بعد خبرة أردنية تصل إلى (100) عامٍ، بأن أي بوصلة في الأردن لا تتجه للوطن هي بوصلة خاطئة وقد تصل الخطيئة إلى مرحلة الخيانة الوطنية من ناحية، وأن أي علاقة مع أي دولة شقيقة أو صديقة يجب أن تكون عبر الانتماء للأردن والولاء لقيادته من ناحية ثانية. وثاني هذه الرسائل أن على مجلس النواب بشكل خاص الذي يضم حوالي (100) نائب جديد، أن يكون على قدر التحدي الوطني لتمثيل المواطنين الذين انتخبوه، وأن يعمل المجلس جنباً إلى جنب على مبدأ الشراكة والتكامل والوطنية الكاملة مع الحكومة لتخفيف الأعباء المحلية والداخلية عن الوطن والموطن، وفي مقدمتها تبعات جائحة كورونا، وحماية الاقتصاد الوطني، وليس على طريقة المناكفة والمزاودة والتعطيل والتأخير وإفشال النصاب تحت القبّة، خدمة للمصالح الشخصية الضيقة للبعض كما كان يحدث في بعض الدورات النيابية السابقة، والتي سبق وأشار لها جلالته في أكثر من مناسبة. وثالث هذه الرسائل الملكية غير المباشرة هي تأكيد جلالته على أنه لن يسمح أن يكون الأردن ساحة للصراع بين بعض الدول الشقيقة بأيدي الأردنيين، الذين يؤيدون هذا الطرف أو ذاك، انطلاقاً من إيمانه بأن الأردن لن يكون طرفاً في إذكاء نار الفتنة بين الدول والأطراف العربية، كما أن جلالته في المُقابل لن يسمح في أن تكون بعض النخب (التي تتحرك بحرية في المجتمع الأردني) أذرعاً تمتد لخارج الوطن خدمة لأجندات غير أردنية، مثلما حدث من حربٍ غير أمينة وغير آمنةٍ بين بعض المرشحين والكتل في الانتخابات النيابية، والتي وصلت إلى مراحل كسر العظم والتخوين والتشكيك في بعضهم البعض. ورابع هذه الرسائل غير المباشرة وهي أن جلالة الملك عاتب على الناخبين الأردنيين السلبيين الذين لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخاب أعضاء مجلس النواب، لأن الأردن الذي صمد (100) عام في وجه الحروب والاضطرابات والمؤامرات الإقليمية والهزات السياسية والاقتصادية فيما سقط غيره، يستحق أن يبدأ مئويته الثانية كدولة راسخة وبقوة من خلال إيمان المواطن الأردني بأنه شريك حقيقي في التغيير والإصلاح المنشود، وصياغة وصناعة القرار عبر انتخاب ممثليه في مجلس النواب (2020 – 2024)، وكذلك في المجالس المنتخبة الأخرى كالانتخابات البلدية ومجالس اللامركزية التي يتوقع أن تجري في العام القادم بإذن الله. وخامس هذه الرسائل الملكية غير المباشرة هي أن جلالته مستاء كثيراً ممن حاولوا تعطيل المسيرة الديمقراطية الأردنية ووضع العصي في دواليب حركة الإصلاح والتغيير عبر صنادق الاقتراع، وعملوا على منع إجراء الانتخابات النيابية، وعندما فشلوا رفعوا شعار مقاطعتها، وتحججوا وتعللوا بجائحة كورونا، وأغفل هؤلاء السوادويون حقيقة أن الأردن الصغير بحجمه ومساحته والكبير بإنجازاته وعطاءاته أجرى انتخابات بثقة كاملة، مثلما أجرتها أكبر وأقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة في ذات الوقت، وهذا تأكيد ملكي غير مباشر بأن الذين حاولوا تعطيل الانتخابات النيابية كانوا يهدفون إلى تصغير الوطن بكل أسف، وطعن الإنجازات الوطنية بدلاً من تعظيمها. وليس أدل على ذلك من أن جلالته اعتبر أن إجراء الانتخابات النيابية في ظل أخطار وتحديات المنطقة خاصة الدول المجاورة للأردن، وجائحة كورونا والوضع الاقتصادي المتردي والصعب هو من الإنجازات الكبيرة التي تحققها الدولة الأردنية في مرحلة عصيبة. أما الرسالة السادسة غير المباشرة فقد أكدها جلالة الملك بأن القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية هي التي تحمي الحرية والديمقراطية الأردنية، ففي الوقت الذي يوجه فيه الجنود ورجال الأمن في العديد من الدول في المنطقة والمناطق الأخرى في العالم فوهات بنادقهم إلى أجساد شعوب تلك الدول، فإن جنودنا ورجال أمننا في الأردن لا يوجهوا فوهات البنادق إلا إلى حماية حدود الوطن والتصدي للإرهابيين والمجرمين وأعداء الأردن. لهذا فإن كل نائب أو عين أو وزير أو مسؤول حكومي أو غير حكومي أو رجل أعمال، أو حزبي أو نقابي أو إعلامي أو حِراكي، أو أي مواطن يتنعم بثرائه ويجلس على مكتبه الفخم، ويدخن سيجاره الكوبي الفاخر، في قصره المنيف أو بيته وارف الظِلال، أو في سيارته الفارهة، ويتسلح بعِطره الباريسي الأخاذ، ويفخر بلباسه الإيطالي فاقع الألوان ويعيش بأمان واطمئنان، فهذا كله لأن مئات الآلاف من أبناء الوطن من الجنود البواسل، ورجال الأمن (العين الساهرة)، يسهرون ويعملون ليل نهار على الحدود أو في كل بقعة من بِقاع الوطن، لحماية الوطن، فيما لا يجد مثل هؤلاء متسعاً من الوقت لتحية جندي أو رجل أمن يخدمان الوطن في البرد الشديد أو القيض والحر الأكثر شدة أو في أماكن خطرة، ويشيح الواحد منهم وجهه، وينفث هذا الشخص دخان (سيجاره الكوبي) على أريكة ذات سبع نجوم، وهو يتلذذ بالأمن والأمان والاطمئنان في الأردن. أما الرسالة الملكية السابعة غير المباشرة الأخطر من وجهة نظري، فهي أن جلالة الملك يريد من النواب والأحزاب والنقابات والإعلاميين والناشطين السياسيين والحِراكين والجمعيات ومختلف المؤسسات الأردنية وغيرهم أن يوجهوا بوصلتهم نحو الهمّ الداخلي المحلي فقط، (لأن الأردن أولاً … دائماً وأبداً)، والعمل على وضع الحلول العملية القابلة للتطبيق والتنفيذ، وليس الانتقاد لمجرد الانتقاد وللاستعراض فقط، وأن يتركوا السياسة الخارجية لقائد السياسة الخارجية الأردنية وهو الملك، لأن تدخلهم في كثير من الأحيان مع دولة ضد أخرى، أو مع طرف خارجي ضد طرف خارجي يرهق جلالته ويرهق الوطن، بما في ذلك القضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية الخارجية الأولى لجلالته، والتي ورثها كابراً عن كابر من عشيرة الهواشم، الإسلامية و (العربية – العروبية)، التي تطهرت وتعطرت بعزٍ وفخرٍ للدوحة النبوية الشريفة، وسيد البشرية (محمد) صل الله عليه وسلم. والرسالة الملكية الثامنة والأخيرة غير المباشرة، هي إيمان جلالة الملك بأن هذه الدولة التي تقف على أبواب مئويتها الثانية هي مملكة أردنية هاشمية ذات أساسٍ راسخٍ، لهذا أود أن أؤكد على أن الطابور الخامس الذي يعيش بيننا ويرسل المعلومات الكاذبة والمضللة والخادعة للأبواق التي تدّعي أنها معارضة أردنية في عواصم ومدنٍ يتنعمون بها في الخارج هم في نفس خندق الخيانة، لانه يتم استخدام هذه المعلومات السوداوية الكاذبة في فيديوهات خِداع وتضليل مباشرة وغير مباشرة ويرسلونها للشعب الأردني، بهدف التخوين والتكفير والمزاودات والاستفزازات والابتزازات لأجل مصالحهم الشخصية. وما يريده جلالة الملك أن نكون أسوداً للدفاع عن الوطن بكرامة، وأن لا نلتفت لنباح الكلاب المرتزقة والمزاودة، لأنها لم توقف يوماً مسيرة قافلة، فكيف لها أن توقف قطار الأردن الذي يسير بسرعة طموحات وطن بني على التحدي ومواجهة الأخطار. وقل أن أختمم مقالتي يمكنني القول بأن على النخب السياسة والبرلمانية والحزبية والإعلامية والعشائرية والشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات وغيرها أن تقرأ السطور وما بين السطور وما وراء السطور حتى تواكب الرؤية الملكية، لأني أعتقد بأن المئوية الثانية لا تحتاج إلى طاقم من (الببغاوات) أو (جوقة) من أصحاب الشعارات والهتافات الجوفاء لتريد فقط ما يقوله جلالة الملك دون إنجاز، بل تحتاج هذه المرحة إلى أردنيين نشامى يصنعون مستقبل الوطن رغماً عن كل التحديات والأخطار. وأخيراً، فإن حِكمتي تقول: (الأسد) يدافع عن عرينه ومملكته مثل كل أردني جسور وغيور على هذا الحِمى الأردني الهاشمي، أما (الكلب) فإنه لا ينبح إلا ليدافع عن بيت الشخص الذي يطعمه ويأويه، و (الثور) لا يدافع إلا عن نفسه. (م. م.)