ينال البرماوي
في بيان الثقة للحكومة الذي قدمه رئيسها الدكتور جعفر حسان أمام مجلس النواب أمس ما هو جديد من حيث التفصيلات الدقيقة لكل ملف والرؤية الواضحة للتعامل معها خلال الفترة المقبلة استنادا إلى بناء مؤسسي وترسيخه من خلال المراكمة على الإنجازات وتعزيزها ومعالجة الاختلالات والتقييم وإعادة النظر بالخطط والبرامج بما يحقق الصالح العام وينعكس مباشرة على حياة المواطنين ويحفز القطاعات الاقتصادية والخدمية المختلفة.
حدد البيان الأطر والمحددات الأساسية لكل ملف وآليات التعامل معها بحدود ما تسمح به الإمكانات وخاصة الشأن الاقتصادي الذي يحتل سلم الأولويات لدى الحكومات المتعاقبة على اعتبار أن أي مشاريع ومبادرات إصلاحية تبقى تراوح مكانها ما لم يشعر بها المواطن في معيشته وتخفيف الأعباء المالية عنه وذلك لا يمكن أن يتأتى دون نمو مؤثر في الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي والحد من الفقر والبطالة.
وما يبعث على التفاؤل بالقدرة على إنجاز العديد من الملفات التي أتى على ذكرها وتفصيلها البيان أنها – أي الحكومة – أبدت التزامها قولا وفعلا منذ تشكيلتها في أيلول الماضي بثلاثية مسارات الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والبناء على ما تحقق من إنجازات ومراجعتها بما يسرع ويعزز تحقيقها بأعلى درجات النجاح، وهذا ما يفسر اتخاذ قرارات في غاية الأهمية ساهمت في تحريك الوضع الاقتصادي وتنشيط الحركة التجارية وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين وفي الجهة الأخرى زيادة إيرادات الخزينة.
ستساهم القرارات المالية من تخفيضات وإعفاءات من الرسوم والغرامات التي شملت عدة قطاعات مثل ضرائب المسقفات والجمارك وتسجيل الشقق السكنية فوق 150م وترخيص المركبات وإعادة النظر بالضريبة الخاصة على الكهربائية منها وكذلك إعفاء أرباح صادرات الخدمات وغيرها، في تحفيز الاقتصاد الوطني وتفكيك موضوعات شغلت بال المواطنين والقطاعات الاقتصادية طوال الفترة الماضية، فباتوا ينظرون بإيجابية أكبر للأداء الرسمي.
وليس آخر تلك الإجراءات الإيعاز بإعادة النظر في نظام الموارد البشرية وخاصة ما يتعلق بمنح الإجازات دون راتب لموظفي القطاع العام.
وفي البيان أيضا تأكيد على التزام الحكومة واستمرارها بالتواصل المباشر مع المواطنين ومختلف القطاعات ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا يتيح المجال للاستئناس برأيها في الموضوعات التي تهم الشأن العام باعتبار العديد منها بمثابة بيوت خبرة طويلة ومتعددة كالجهات التمثيلة للقطاع الخاص (تجارة، صناعة، سياحة، رجال أعمال، وغيرها)،والنقابات المهنية والعمالية، وهي المحرك الأساس للتعاطي مع الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية وكذلك مشاركتها في مناقشة الصعوبات واقتراح الأدوات الناجعة للتغلب عليها.
وينتظر الإعلان عن قرار زيادة الحد الأدنى للأجور والإجراءات الأخرى التي من شأنها تعزيز الحماية الاجتماعية للمواطنين وخاصة الشرائح الفقيرة ومحدودة الدخل وإدماج العائلات المستفيدة من المعونات الشهرية في سوق العمل من خلال تأهيل أحد أو عدد من أفرادها.
وتعد مواصلة الجهود اللازمة لاحتواء الضغوط التضخمية الناتجة عن عدوان الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة واضطرابات البحر الأحمر وباب المندب والتداعيات على سلاسل التوريد وحركة الشحن البحري وارتفاع كلف التجارة الدولية من وإلى المنطقة، ضرورة ملحة لمواجهة أي احتمالات طارئة.
ويعد الأمن الغذائي من أهم الملفات التي تستأثر بالاهتمام في ضوء التحديات الناتجة عن الظروف الجيوسياسية العالمية والتغيرات المناخية والمخاطر التي تهدد سلاسل التوريد، وقد قطع الأردن شوطا لتعزيز هذا الجانب من خلال تعزيز أدوات السوق وقدرة القطاع الخاص على تأمين احتياجات المملكة تحت أي ظروف وزيادة الاستطاعة التخزينية من مادتي القمح والشعير من خلال إنشاء المستوعبات الأرضية المخطط إقامة المزيد منها خلال العام المقبل.
ومن شأن إقامة المشاريع الكبرى وتسريع الإجراءات اللازمة لها خاصة في قطاعات الطاقة والتعدين والنقل والمياه والبنى التحتية وغيرها وتسديد المتأخرات المالية المترتبة لصالح القطاع الخاص والمقاولين إعطاء دفعة قوية لتطوير الوضع الاقتصادي وضخ مزيد من السيولة في السوق وتوفير فرص عمل في مختلف القطاعات والاختصاصات.
الرؤية المتفائلة التي تحملها الحكومة للخروج من الضائقة الاقتصادية تحتاج إلى تشاركية وتعاون من قبل البرلمان بشقيه، مجلسي النواب والأعيان، ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الاقتصادية، بحيث توجه كافة الجهود لزيادة النمو ومعالجة المشكلات الأساسية التي يعاني منها الأردن كارتفاع البطالة والفقر والمديونية، وهذا يحتاج إلى تحفيز جذب الاستثمارات وتعظيم الاستفادة من رأس المال الوطني والودائع في البنوك التي يتجاوز حجمها 44 مليار دينار.
وإن استمرار النهج في «حلحلة» الملفات التي تؤرق المواطنين، ليلمسوا آثارها مباشرة، يمكّن الحكومة من استعادة ثقة الشارع ولو بشكل تدريجي.