د.حسام العتوم
ليس أجمل من شهر آذار وسط تاريخ الأردن الكبير المعاصر, وأمام بوابة المئوية الثانية للدولة الأردنية 11 نيسان 2021، ففيه كان الموقف الوطني المشرف, وكان النصر الوطني والقومي الأكيد. إنها حقبة مليكنا الراحل الحسين العظيم, و كبار كراسي البلد أمثال مشهور حديثة الجازي, وحابس المجالي, ووصفي التل, ورفاق الخندق الواحد الأردنيون والفلسطينيون الشجعان. وصولات تاريخية لجيشنا العربي القوات المسلحة الأردنية الباسلة , ولأجهزتنا الأمنية الجبارة – فرسان الحق (العيون الحمر الساهرة), والقابضة على الجمر . فماذا جرى في وطننا في آذار أيها السادة؟ وهل يعرف الجيل الجديد بقصة تعريب قيادة جيشنا العربي عبر طرد كلوب باشا الإنجليزي واثنين من معاونيه (باترك وهاتون) في مجال الاستخبارات والمعلومات؟ وهل يعرفون بأن خطوة التعريب الملكية الجريئة وبعد حراك الضباط الأحرار والأحزاب الوطنية القومية والإسلامية واليسارية، انهت في ذلك الوقت معاهدة إتفاقية الانتداب الإنجليزي الموقعة مع الأردن عام 1921 والتي استمرت حتى عام 1946؟ وهل نعرف بأن مشهور حديثة الجازي هو من كُلف بتوديع كلوب باشا للمطار, وتم القدوم براضي عناب قائدا للجيش؟ آن الأوان أن نعرف بظرف قرار تعريب قيادة جيشنا العربي الآن بعد مرور 65 عاما, فلقد كان الحسين طيب الله ثراه صادقا مع مصر جمال عبد الناصر بوعده بتخليص الأردن من القيادة الإنجليزية للجيش بعد ضمانة الحصول على عضوية الأمم المتحدة , وعلى تطمينات عربية بتوفير مساعدات مالية عربية بديلة عن الإنجليزية لتسهيل عملية التخلص من الإنجليز, فجاء التعريب مفاجئا للإنجليز والأمريكان معا, لكن العلاقات الدولية مع الأردن لم تتغير وقتها.
وإذا أردنا أن نتحدث عن نصرنا الأكيد في ( الكرامة ) وغور الأردن في أكناف بيت المقدس عام 1968 بجهد جيشنا العربي , و شعبنا الأردني العظيم , وأهل فلسطين الجبارين الصابرين ومقاومتهم, والشهداء الأبرار على النازية الإسرائيلية وجيشهم الجبان, حري بنا أن نعود إلى مربع الرسم البياني لإنطلاقة الصهيونية من وسط مؤتمر هرتزل عام 1897 الذي وضعه في كتابه (دولة اليهود) وعمل حينها على تأسيس المنظمة الصهيونية. المصدر: (موسوعة اليهود و اليهودية والصهيونية .ص 236 ). وكيف عملت الصهيونية على الالتفاف على عصبة الأمم المتحدة عام 1947 بهدف تقسيم فلسطين إلى دولة عبرية وأخرى عربية, وهو الذي قابله معظم العرب بالرفض, وعملت إسرائيل على استثماره لتصبح دولتها عبرية بالكامل.
وتساءل شيمون بيريز عندها، لماذا يطالب العرب بدولة فلسطينية بعد احتلال فلسطين عامي 1948 و 1967, ولم يطالبوا بها وقت قرار التقسيم عام 1947؟ وانتهجت إسرائيل منذ حربي القدس (باب الواد و اللطرون) عام 1948, وفي حرب النكبة نفسها, استخدام القوة في دحر العرب ومقاومتهم الوطنية وجيوشهم, فكسبت حربين متتاليين 1948 و1967, واحدقت النظر في ( الكرامة ) بحجة مطاردة المقاومة الفلسطينية بينما كان هدفها الاصطدام مع الجيش العربي الأردني والوصول – لو تمكن لها ذلك- إلى عاصمتنا الأردنية المحصنة عمان, وهو ما أعلنه (موشيه ديان), لكن الخندق الواحد الأردني – الفلسطيني كان لإسرائيل بالمرصاد , عسكرة وإستخبارا وبإحتراف, فكان النصر لنا بإسم كل العرب, وكانت الخسارة الفادحة للصهاينة الغزاة كبيرة وأذهلتهم, وفتحت واقعة الكرامة بقيادة الحسين الملك الراحل والقائد الميداني البطل مشهور حديثة الجازي الطريق للعرب لتحقيق انتصارا جديدا إلى الأمام في حرب تشرين عام 1973 و بجهد الفرقة 40 من قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة بقيادة خالد هجهوج المجالي, و مشاركة للسلاح الإستراتيجي الصاروخي الباليستي الروسي في المقابل إلى جانب الجيشين العربيين السوري والمصري, كانت نتيجتها تحرير جزء هام من مدينة القنيطرة الجولانية من أنياب الاحتلال الإسرائيلي.
وأرست معركة (الكرامة) الباسلة نهجا مختلفا دفعت من خلاله إسرائيل لتوقيع سلام مع الأردن عام 1994 يتلو سلامها مع مصر عامي 1978 1979 بعد معاهدة كامب ديفيد وبطريقة مختلفة صوت عليها البرلمان آنذاك رغم معارضتها شعبيا وبرلمانيا لاحقا وحتى الساعة, ونداءات الأردن السياسية المتكررة بدعوة إسرائيل للإنسحاب إلى حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وفقا لقرارات الأمم المتحدة ( 242 338) في عهدي الحسين الراحل طيب الله ثراه , وفي عهد جلالة الملك عبد الله الثاني (حفظه الله) لم تلق أذنا إسرائيلية صاغية, وتواصل المراوغة, والزج حتى بأمريكا الدولة العظيمة لتمرير صفقة القرن المشؤومة التي من شأنها ترسيخ حل الدولة الواحدة المرفوض عربيا لعنصريته , وإلغاء هوية القدس التي وصفها الحسين الراحل في كتابه “مهنتي كملك” بأنها مدينتنا لأكثر من سبب، منها أن جده الأعلى مدفون فيها, وجده الملك عبدالله لقي مصرعه فيها بين ذراعيه, وإجهاض حل الدولتين المنصف لأهلنا في فلسطين , ولقدسهم , ولكل العرب, والمسلمين والمسيحيين, و لمعظم دول العالم الحضارية , والذي من شأنه أيضا وبوضوح تثبيت الوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات في القدس لحين قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لمباديء الشرعية الدولية. وذهبت إسرائيل إلى التمادي أكثر بقيادة أمريكا وبوضح النهار للتوقيع المشترك البهلواني على أسرلة الجولان – الهضبة العربية المحتلة منذ عام 1967- فقط بسبب رفض دمشق حافظ الأسد وبشار الأسد القبول بالجولان بشروط إسرائيلية خادشة للسيادة السورية الوطنية.
ودرس (الكرامة) لا ينسى بالنسبة لإسرائيل, وهزيمتها فيه أكبر بكثير مما حققته من نجاحات عدوانية في حربي النكبة 1948 والنكسة 1967, وتمكن الأردن بقيادة مليكنا الشجاع عبد الله الثاني ابن الحسين من إعادة إقليمي الباقورة والغمر عام 2019 بقوة القانون والسلام مع إسرائيل وفقا لنص معاهدة عام 1994, والتصدي ببسالة لمشروع إسرائيل الفاشل الذي هدف إلى ضم الغور الفلسطيني وشمال البحر الميت عام 2020 بطريقة غير شرعية، تعادل مشروعها الإستيطاني المشابه في عدم الشرعية , من شأنه لو حدث العمل على إحباط عملية السلام العربية الإسرائيلية برمتها, ومن وسطها ملف حل الدولتين الذي بح صوت العرب من أجله.
ويمضي الأردن وسط عمقه العربي وعلاقاته الدولية المتوازنة قدما بإلارتكاز على نجاحاته الوطنية تماما كما كاسحة الجليد ليواصل البناء وعلى كافة مستويات البنية التحتية, والديمقراطية, ومنها التعليمية, والطبية, والعسكرية, والأمنية, وعلى مستوى مطاردة الإرهاب, ومحاصرة جائحة كورونا, والبحث مع روسيا, وأمريكا, والصين, وباقي دول العالم عن اللقاح الناجع المتميز الخادم للمواطنين الأردنيين كافة.
ورسالة جلالة الملك عبدالله الثاني لمدير المخابرات العامة بتاريخ 17 شباط 2021 حملت معان عميقة صوب الاحتراف المهني اللوجستي, والتطوير والتحديث لأهم جهاز أمني وطني حصين وتفرعاته بعد مؤسسة الجيش رأس الأجهزة الأمنية الوطنية الخط الأحمر. وخطاب آخر هام لجلالة الملك ألقاه افتراضيا أمام مؤتمر معهد بروكنجز الأمريكي بواشنطن تحدث فيه عن الدور المحوري للولايات المتحدة الأمريكية في تعزيز أمن المنطقة المبني على الشراكة , ومع الأردن بثبات منذ سبعة عقود خلت . وبأن الاحتلال والسلام لا يجتمعان, وحق للشعب الفلسطيني في إقامة دولته إلى جانب إسرائيل في إطار حل الدولتين, وبضرورة المحافظة على الوصاية الهاشمية, وتجديد إطلاق مفاوضات السلام, والمحافظة على وضع القدس واعتبارها مدينة للإيمان والسلام.
وما أعرفه عن حرب الكرامة تحديدا, ومن خلال كتاب “معركة الكرامة ” لمؤلفه اللواء محمود الناطور أيضا اختصره هنا للقاريء الكريم لتحقيق الفائدة الممكنة. فلقد عرفت بأن المرحوم العميد محمد الروسان قاد سرية انتحارية من جنودنا الأبطال للتصدي لجبناء جيش ( الدفاع ) الاحتلالي, وتحليلي في المقابل هنا لو أن الفريق المرحوم مشهور حديثة الجازي بطل (الكرامة) الميداني, والأقرب في ذلك الوقت للمقاومة الفلسطينية ضمن الخندق الأردني الواحد قبل بما قبل به وصفي التل إلى الأمام في بداية سبعينيات القرن الماضي عندما نادى الوطن لضبط الأمن في الداخل الأردني لنال الشهادة مكانه. واستشهد في المعركة 74 اردنيا عسكريا و 101 شهيد للمقاومة الفلسطينية الممثلة لتنظيمي ( فتح ) و (قوات التحرير الشعبية). وأم يوسف المرحومة نعمة محمد شحادة حولت منزلها في الكرامة إلى عيادة لإسعاف جرحى المقاومة. وعملية (بيت فوريك) الفدائية قرب نابلس بتاريخ 712 1967 كانت من أبرز العمليات التي وترت الأجواء الإسرائيلية ودفعتها باتجاه المعركة. وعملية فدائية أخرى جنوب النقب بتاريخ 18 3 1968 استفزت الجانب الإسرائيلي. وبرقية لمندوب الأردن الدائم في الأمم المتحدة لرئيس مجلس الأمن تحذر من هجوم إسرائيلي وشيك على الأردن. والملازم خضر أبو درويش يطلب من الجيش العربي الأردني في الكرامة قصفه وموقعه لإكتشافه من قبل إسرائيل , فكانت النتيجة إستشهاده وقصف دبابات العدو الإسرائيلي. وإكتشاف الجيش الأردني للمظليين الإسرائيليين بلباس الجيش الأردني أثناء المعركة دقة ملاحظة إستخبارية أردنية دقيقة ومقدرة. ورواية أخرى لوالدي المرحوم مصطفى العتوم الضابط برتبة رائد في (الكرامة) عندما قصف صاروخ إسرائيلي غرفة القيادة التي عمل بها ولم ينفجر الصاروخ لكنه ألحق ضررا بسمعه. وترحيل للمخيمات الفلسطينية من (الكرامة) إلى وسط الأردن وشماله للمحافظة على حياتهم.
وفي الختام، أقول هنا بأنه آن الآوان العرب أن يتوحدوا حول وحدتهم الحقيقية التي دعاهم لها شريف العرب وملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه لتحقيق النصر الدائم للعرب, ولتحقيق السلام العادل المنشود.