تعود فكرة توثيق أول توكيل رسمي للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة إلى شخص يدعى يوسف راضي عام 2014، دشن مع آخرين مجموعة “التبرع بالأعضاء بعد الوفاة” على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتجاوز عدد أعضائها 10 آلاف بقليل.
عادت قضية التبرع بالأعضاء بعد الموت إلى الواجهة في مصر مجددا وسط زخم إعلامي كبير، وتسليط الضوء على الصعوبات التي تواجه الراغبين في توثيق عقود بالشهر العقاري، وعدم انتشار ثقافة التبرع بين المواطنين بسبب مخاوف بعضهم حول مشروعيته الدينية، وتحذير آخرين من استغلال الفقراء في التربّح من وفاة ذويهم تحت مسمى التبرع.
كما أكد الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة والوقاية، أنه يتم دراسة إضافة اختيار التبرع بالأعضاء في بطاقة الرقم القومي، وهو معمول به في كثير من بلاد العالم.
ورغم نجاحها في توثيق أول توكيل رسمي (لسيدة) للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة عام 2018، كشفت دينا رضا أنها واجهت صعوبة كبيرة في القيام بهذا الأمر، لأن كثيرا من الموظفين ليست لديهم معرفة بكيفية تحرير مثل هذا النوع من التوكيلات، واعتقادهم بأنها خطوة غير قانونية.
وفي تصريحات متلفزة، أشارت رضا إلى أنه رغم وجود قانون بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية منذ عام 2011، فإن عدد الذين تمكنوا من توثيق توكيل رسمي للتبرع بأعضائهم 15 شخصا فقط، بسبب غياب الثقافة وصعوبة التوثيق.
تعود فكرة توثيق أول توكيل رسمي للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة إلى شخص يدعى يوسف راضي عام 2014، دشّن مع آخرين مجموعة “التبرع بالأعضاء بعد الوفاة” على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتجاوز عدد أعضائها 10 آلاف بقليل، وهي مجموعة مغلقة.
وتصف المجموعة نفسها بأنها مجموعة من الشباب المؤمنين بأهمية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة لإنقاذ حياة المرضى، وإعطاء حياة أفضل لهم، ولمواجهة تجارة الأعضاء.
وفي تصريحات سابقة للجزيرة نت، طالب راضي بتقنين التبرع عبر مبادرة رئاسية، مثل مبادرة الخلايا الجذعية، وقال إن “الأزمة ليست في الدين، لكن في الوعي المجتمعي، وهذا الوعي يجب توجيهه بشكل صحيح من قيادات الدولة”.
ويستند المتبرعون إلى المادة (8) من قانون تنظيم زرع الأعضاء، التي تجيز “لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة إنسان حي أو علاجه من مرض جسيم أو استكمال نقص حيوي في جسده؛ أن يُزرع فيه عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسد إنسان ميت، وذلك فيما بين المصريين إذا كان الميت قد أوصى بذلك قبل وفاته بوصية موثقة، أو مثبتة في أي ورقة رسمية، أو أقرّ بذلك وفقًا للإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون”.
أول قانون ينظم زرع الأعضاء أقرّت مصر قانون رقم (5) لسنة 2010 فكان أول قانون ينظم زرع الأعضاء البشرية، وتضمّن 28 مادة تتعلق بالأحكام العامة، ومنشآت زرع الأعضاء البشرية، وإجراءات زرعها، والعقوبات الخاصة بمخالفة تلك المواد
وشدد القانون على أنه “لا يجوز إجراء عمليات زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة بنقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي أو من جسد إنسان ميت بقصد زرعه في جسم إنسان آخر إلا طبقًا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له”.
واشترط وجود ضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقي أو علاجه من مرض جسيم، وبشرط ألا يكون من شأن النقل تعريض المتبرع لخطر جسيم على حياته أو صحته.
وبهدف قطع الطريق على التجارة بالأعضاء، يحظر النقل من مصريين إلى أجانب عدا الزوجين إذا كان أحدهما مصريًّا والآخر أجنبيًّا، ولا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي لزرعه في جسم إنسان آخر، إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرع.
وتوعّد القانون المخالفين بفرض غرامات مالية وعقوبات بالسجن تصل إلى المشدد والمؤبد، إذا ترتبت على مخالفتها وفاة المتبرع أو المتلقي.
وأشادت منظمة الصحة العالمية بالقانون وعدّته “خطوة رائعة تبعث الأمل في نفوس آلاف المرضى الذين يحتاجون إلى نقل الأعضاء لإنقاذ حياتهم، كما يقضي على التجارة غير المشروعة في هذا المجال، التي كانت تتم في أجواء تضر بكل من المنقول إليه والمنقول منه على حد سواء”.
ومع انتشار تجارة الأعضاء البشرية، شهدت الغرامة مضاعفة كما شهدت العقوبة تغليظا لتصل إلى الإعدام وفق قانون رقم (142) لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام القانون رقم (5) لسنة 2010، بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية.
وتخضع عمليات التبرع والزرع لإشراف “اللجنة العليا لزرع الأعضاء البشرية” وفقا للقانون وتتبع رئيس مجلس الوزراء، ويصدر بتشكيلها وتنظيم عملها وتحديد مكافآت أعضائها ومعاونيهم قرار منه بناءً على عرض وزير الصحة
الرأي الشرعي أباحت دار الإفتاء التبرع بالأعضاء وفق ضوابط وشروط محددة، أهمها وجود غاية طبية ضرورية وملحّة، وموافقة المتبرع، وعدم تقاضي أي مقابل مادي أو معنوي بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك في فتوى حملت رقم 739 بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2003.
وفي عام 2009 أجاز مجمع البحوث الإسلامية، التابع لمشيخة الأزهر، في مؤتمره العام، التبرع بالأعضاء للمتوفى. وحسب مواقع محلية، شهد المؤتمر تقديم 3 أبحاث لكل من شيخ الأزهر رئيس مجمع البحوث الإسلامية محمد سيد طنطاوي، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، وعميد كلية الطب بجامعة الأزهر السابق إبراهيم بدران، حيث أباحوا نقل الأعضاء، سواء بين الأحياء أو الأموات إلى الأحياء، وحرموا البيع.
وذلك ما أيّده أحد علماء الأزهر الشيخ إبراهيم رضا، قائلا “في رأيي الشخصي، لا يوجد ما يمنع شرعا من استخدام أعضاء المتوفى التي تبرع بها لينتفع بها الشخص الحي إعمالا لقوله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، وسبقنا على ذلك شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي الذي تبرع بأعضائه لولا أنه دفن في البقيع بالسعودية”.
واستدرك إبراهيم رضا في تصريحات للجزيرة نت “بل أرى أن فتح باب التبرع من الأموات للأحياء أفضل من التبرع من الأحياء للأموات، لأنه قد يترتب عليه ضرر ومعاناة للطرف المتبرع، حيث يتعرض لعملية جراحية لها تداعياتها، كما أنه يغلق باب التجارة بالأعضاء أو يحجمه كثيرا”.
حرام واستغلال للفقراء على الناحية الأخرى، رأى أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشيخ أحمد كريمة أن إثارة قضية زراعة الأعضاء البشرية تهدف إلى “إلهاء وإشغال الرأي العام المصري عن مشاكله الرئيسة كما رأينا في المساجلات التي أثيرت بخصوص إرضاع المرأة لأطفالها وخدمتها في بيتها، فقد جرّوا العلماء والمفكرين وغيرهم إلى قضايا ثانوية”.
وأشار كريمة -في حديثه للجزيرة نت- إلى أنه لا توجد حتى الآن بنوك أعضاء لاستقبالها وحفظها، ومن ثم فإن إثارة تلك القضية من باب العبث، وهناك قضايا مهمة في المجتمع لا يتحدث عنها الإعلام ولا يجرؤ.
وفي ما يتعلق بالحكم الشرعي، يخالف الشيخ كريمة الرأي القائل بجواز وإباحة زرع الأعضاء، وقال إن رأيه الشخصي الذي يمثله فقط ولا يمثل الأزهر هو تحريم وتجريم نقل الأعضاء الآدمية من حي إلى حي ومن ميت إلى حي، لأن الآيات القرآنية واضحة حيث يقول عز وجل “إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كانَ عَنهُ مَسْئُولا”، أي إن الأعضاء الآدمية ملك لله.
وحذر كريمة من آثار زرع الأعضاء وفتح باب الاتّجار بها، واستغلال الفقراء، فقال “الذي ينتفع هم السماسرة والأطباء والمستشفيات، ويتم البيع تحت مسمى التبرع حتى لا يتعرض أحد للمساءلة القانونية، وسيتم تحويل أعضاء الفقراء إلى قطع غيار للمقتدرين، لذا فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”.
وطبقا للمادة (6) من قانون التبرع بالأعضاء “لا يجوز أن يترتب على زرع العضو أو جزء منه أو أحد أنسجته أن يكتسب المتبرع أو أي من ورثته أي فائدة مادية أو عينية من المتلقي أو من ذويه بسبب النقل أو بمناسبته”.
متبرعون من دون بنوك أعضاء
ورغم ما أثير حول قضية توثيق التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، فلا توجد قواعد ولا آليات لتنظيم مثل هذه الأمور، حسب الدكتور رشوان شعبان عضو مجلس نقابة الأطباء المصريين وممثل اتحاد نقابات المهن الطبية.
وأوضح شعبان، في تصريحات للجزيرة نت، أن عملية التبرع بالأعضاء بحاجة إلى إمكانات غير متوفرة، ولا توجد لديهم ملفات تتعلق بحالتهم الصحية، ومدى كفاءة أعضائهم، “ولا نعرف متى وأين سوف يموتون”.
وأضاف شعبان أن عدم وجود بنوك خاصة بالتعامل مع أعضاء المتوفين يحول دون تطبيق التبرع في حال وفاتهم، “رغم أن بعض الدول العربية سبقتنا في هذا الأمر”.
واستبعد عضو مجلس نقابة الأطباء أن يفتح تقنين التبرع باب الاتجار بالأعضاء، لأن المتوفى سيكون قد مات سواء أكان فقيرا أم لا، بخاصة أن القانون يجرّم بيعها بمقابل، فلن يستفيد حتى الورثة لأن عملية نقل الأعضاء ستكون خاضعة لقواعد وضوابط وزارة الصحة.