نموذج جامعة البلقاء التطبيقية
د. اخليف الطراونة
بما أن الأشياء تقوّم ويتمّ معاينتها من خلال تجربتها، ووضعها على سكّة التطبيق العملي؛ فالنتيجة البدهية أن يتم تعزيز ما هو ناجح وإيجابي منها، وتجاوز ما هو سلبي والبناء على تلك الإيجابيات وتطويرها؛ لأن كل تجربة تحتوي في داخلها أخطاء وسلبيات وعثرات تكشفها الأيام، كما أنها تحمل إيجابيات وصور ناصعة يجب تعزيزها وتطويرها والبناء عليها.
ما يدفعني للقول السابق، هو ما طرحته جامعة البلقاء التطبيقية، حول نموذجها الذي طرحته مؤخرا لبرنامج تعليمي مهني للبكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وهو عودة محمودة للجذور الأولى والغاية والهدف الذي أنشئت من أجله الجامعة، وهو ترسيخ التعليم التقني والتطبيقي، منسجما مع المسارات الأكاديمية، لكنها فيما بعد ذهبت باتجاه الأكاديما على حساب التطبيق في كثير من تخصصاتها وطروحاتها، وهو الأمر الذي أتمنى أن تتخلص منه جامعة الطفيلة التقنية، وتبعد نفسها عن الاستغراق في التخصصات الإنسانية، وتكون علامة فارقة أيضا في التعليم التقني والتطبيقي.
وعودة للنموذج التعليمي الذي طرحته جامعة البلقاء والذي يتطابق ويتوافق مع ما يدعو له دائما جلالة الملك؛ أن كان في خطابات العرش أو الأوراق النقاشية، أو اللقاءات مع أبنائه الطلبة، ولا سيما اللقاء الأخير في الجامعة الهاشمية، وما تتبناه حاليا اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية، التي أتمنى منها المزيد والمزيد في تعزيز هذا الجانب المهم لحياة ومستقبل الأردنيين.
أقول هذا النموذج الأنموذج والذي يُبنى عليه مع باقي الجامعات، يركز على نقاط أهمها:
1. تطوير الخطط الدراسية، وهو ما ندعو لها دائما، فمن غير المعقول ولا المقبول أن يأخذ أبناؤنا ذات الخطة التي أخذناها في السبعينيات أو الثمانينيات، متغافلين عن هذا التطور الهائل الذي شهده العالم، تكنولوجيا ومعرفيا، والسعي لبناء خطط دراسية وطنية جامعة لما ننوي الخوض فيه.
2. التناغم والتماهي بين ما نعلّمه وما يريده سوق العمل في القادم من أيامنا، وردم هذه الهوة بين ما يطرح في جامعتنا، وما يتطلبه سوق العمل.
3. زيادة نسبة التطبيق العملي مقارنة بالتدريس النظري للمواد، فنحن نريد فنيين لا منظرين.
4. الإنطلاق نحو العلم وما شهده من تقدم علمي، والتركيز على تطبيقات التكنولوجيا الحديثة، لبناء الفرد والمجتمع، والحفاظ على المستقبل.
5. السعي لعمل هيكلة جديد للكيات الجامعية، لكي تتوافق والبرنامج المنوي طرحه.
6. اعتماد برامج تعليمية تقنية وتطبيقية، تكون النموذج والطريقة والحل لما هو آت.
7. العمل على بناء قدرات المدربين والمدرسين، وصقل تجاربهم بالمزيد من الدورات والتدريب والتأهيل.
8. تزويد الكليات الجامعية بأحدث وسائل التقنية والتكنولوجيا الحديثة، بما يخدم الهدف والغاية المطروحة. يتضمن ذلك فتح الآفاق لجلب الدعم الخارجي، فالعالم سيدعمنا في هذا الجانب بالذات، عندما يرى صدق نيتنا نحو التغيير.
9. ربط الكليات بما هو قائم من شركات ومصانع ومؤسسات، ليكون التطبيق العملي هو الأساس في عملية التدريس والتطبيق.
من أجل ذلك كله لا بدّ لنا من السعي لتغيير التشريعات الناظمة لمنح شهادات الدبلوم والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه، انسجاما مع خطط الحكومة لتحفيز الاقتصاد ومسارات النهضة والتطوير. فما المانع أن يكون لدينا خريج يحمل الدكتوراه في صيانة الأجهزة الكهربائية، وآخر في الأدوات الصحية، وثالث في المساحة والأراضي… وغيرها، في وقت نعلم فيه جميعا أن التعليم المهني المتخصص، والتعليم التقني المنسجم مع احتياجات الأسواق، والذي يتمشّى مع متطلبات العصر ؛ لم يعد تنظيرا ولا ترفا، في بلد تشكل فيه العمالة الفنية الوافدة أرقاما مرعبة وصادمة وواخزة.
والأمر اللافت أيضا في طرح البلقاء التطبيقية لهذا النموذج هو توافق المسار الأكاديمي مع المسار المهني، والتأسيس له منذ التعليم المدرسي العام، ثم التعليم الجامعي، وصولا للدراسات العليا. والتدرج فيهما من خلال الخبرة والعمل والتقويم المستمر، مما يشكل حالة فريدة ومميزة في الخروج والعودة للمسار أكثر من مرة، مع الأخذ بعين النظر أن لكل مسار منهما( الأكاديمي والمهني)، مجالاته وطرقه وسبله المختلفة.
كما أن هذا النموذج لم يغفل الراسبين في امتحان الثانوية العامة، بل منحهم الفرصة لأخذ دبلوم مهني يفتح الطريق والمستقبل أمامهم، ويمكنهم من مهن تقيهم تسول الحكومة لوظائف الدرجة الثالثة وغيرها، كما أنها بهذا النموذج منعت أيضا خريجي الجامعات المهنين والذين ينتظرهم سوق عمل مفتوح ومتعطش لهم، من الوقوف بباب ديوان الخدمة المتخم بعشرات عشرات المنتظرين لطاقة الفرج والوظيفة والأمل.
كما يجب أن نقف جميعا إلى جانب جامعة البلقاء وإدارتها في هذا النموذج النبيل، مقدما لهم التحية والشكر والتقدير، على هذه الجهود الطيبة المباركة، راجيا الحكومة وداعيا لها بدعم مثل هذه التوجهات وإيجاد التشريعات المناسبة لإنفاذها؛ حتى لا تظلّ حبيسة الأدراج، أو أن تخضع لمزاجيات الأشخاص؛ فهذه الأفكار ومثلها العشرات تحدثنا عنه سابقا وتمنينا لو أنها وجدت طريقها إلى التطبيق؛ ولكن الفرصة لم تفت بعد، وما زلنا محكومين بالأمل والعمل والمستقبل، وحفظ الله أردننا وقائدنا وجامعاتنا، من كل مكروه وشر