يوم المرأة العالمي بين النفاق والاستحقاق… عراك جزائري في “بي بي سي” العربية وملاك جعفر: أنا الحوار!
جاء يوم المرأة العالمي في الثامن من الشهر الجاري – الذي تعود جذوره لسنة 1945 حين عقد مؤتمر الاتحاد النسائي الديمقراطي في مدينة باريس – للاحتفال به من قبل منظمة الأمم المتحدة سنة 1977، ليحقق كالعادة موجة معايدات متدفقة في أنحاء العالم وليحتل بقوة صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
الكل تكلم عن العيد، الكل توجه برسائل معايدة، نساء ورجال على حد سواء. رسائل تؤيد حقوق المرأة أو تبرز أهميتها. بعضهم تبادل الورود احتفالاً بالانجازات وتقديراً لجهود النساء في بناء المجتمع.
ولكن بأي حال عاد هذا العيد في ظل التمييز المستمر ضد المرأة حتى في البلدان المتقدمة، وخاصة في مسألة الأجور؟ أكان الاحتفال صادقاً؟ أليس هناك نفاق كبير في ذلك؟ فالواقع العملي يثبت عكس ما يحتفل به.
نشرت جريدة «الغارديان» البريطانية في 2 الشهر الجاري تحقيقاً أجرته بمناسبة قدوم عيد المرأة العالمي. وكانت المفاجأة أن هناك فقط ستة بلدان في العالم تتساوى فيها الأجور بين الرجل والمرأة، وبريطانيا ليست واحدة منها.
إن كانت بعض الدول المتقدمة والمتطورة اقتصادياً لم تستطع تحقيق المساواة كاملة بين الرجل والمرأة، ماذا نقول عن حقوق المرأة العربية المهدورة في معظمها، في ظل أوضاع اقتصادية سيئة، وهيمنة ذكورية، وعنف أسري، وأمية متفشية، وقوانين بائدة، مما يمنعها من الحصول على فرص تعليمية مناسبة، ناهيك عن وظيفة أو مركز فعليّ يحقق لها المكانة التي تستحقها في المجتمع، إلا إذا استثنينا بعض النماذج النسائية القليلة نسبياً في خارطة عربية كبرى.
وفي بلدان عربية أخرى كفلسطين، بالإضافة إلى حرمان المرأة من حقوقها فهي ترزح تحت احتلال قاس متوحش، أفقدها حتى حقوقها الحياتية مضحية كامرأة وكأم. هي التي قدمت الكثير من الشهداء أبناءً وأزواجاً.
المعاناة التي تمر بها المرأة الفلسطينية معاناة صامتة لم تلق الاهتمام الكافي حتى في عيد المرأة. إن قوة المرأة وتحررها يأتيان من خلال استقلالها المادي لتصبح عضواً فعالاً في تحريك الوضع الاقتصادي لأي بلد.
ومع ذلك المعاناة التي تمر بها المرأة الفلسطينية معاناة صامتة لم تلق الاهتمام الكافي حتى في عيد المرأة. إن قوة المرأة وتحررها يأتيان من خلال استقلالها المادي لتصبح عضواً فعالاً في تحريك الوضع الاقتصادي لأي بلد.
ولكن، وعلى الرغم من حالة المرأة العامة في البلدان العربية، والقوانين التي تقيد حريتها وانطلاقها كإنسان – إذا استثنينا تونس – فهناك بعض العلامات المضيئة. وفي هذا السياق نستذكر نشاط الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية التي تقوم بجهد كبير لتعزيز مكانة المرأة ومنحها فرصا متساوية بالرجل، ومن أجل أن تتمكن المرأة اللبنانية من إعطاء الجنسية لأولادها وشريكها، وأن يكون لها الحق بحضانة الأطفال بالتساوي مع طليقها، بالإضافة إلى منظمات نسوية في بلدان عربية أخرى، تسعى لتثبيت كياناتها في ظروف اجتماعية وثقافية بالغة القسوة.
إن التغيرات الاجتماعية العظيمة، كما قال كارل ماركس مرة «مستحيلة من دون ثورة نسائية، وتقدم أي مُجتمع يُقاس من خلال وضع المرأة فيه».
لكن نجاح هذه الثورة النسائية يتطلب، في ما يتطلب، مشاركة الرجل، أباً وزوجاً وأخاً ورفيقاً. لكن الواقع الفعلي، وخاصة في بلداننا العربية، ما زال بعيداً عن تحقيق هذا الشرط.
إننا نسمع الكثير عن مساندة الرجال، وخاصة التقدميين منهم، لحقوق المرأة. ولكن «إذا حككت جلد أي رجل تقدمي فستجد أن في داخله رجلاً رجعياً في موقفه من المرأة»، كما قال فلاديمير لينين في بداية القرن العشرين. وللأسف، ما يزال كلامه صائباً، ونحن في القرن الواحد والعشرين.
الحوار على طريقة ملاك جعفر
استضافت الإعلامية اللبنانية ملاك جعفر الأسبوع الماضي في برنامج «العالم هذا المساء» على قناة «بي بي سي» عربي، سليمان عراج، الأستاذ في العلوم السياسية، وصفيان جلالي رئيس حزب «جيل جديد» من الجزائر، كما كان معها في الاستوديو محمد العربي زيتوت، الدبلوماسي السابق في الخارجية الجزائرية.
كان بإمكانها لو أنها أحكمت إدارة برنامجها منذ البداية، أو على الأقل إيقافه في الوقت المناسب، أن تجنب نفسها والمحطة وتجنبنا أيضاً هذه الفضيحة الهوائية.
دار النقاش حول المستجدات الراهنة في الجزائر و«عودة» الرئيس بوتفليقة للبلاد والمعلومات المتضاربة المتعلقة بها، فضلاً عن أسباب عدم قدرة المعارضة على انتاج بديل للرئيس بوتفليقة، وتوحيد خطاب المعارضة حول مرشح واحد.
بدأ الحوار بشكل حضاري، وراح تدريجياً يتصاعد حدةً بين كل من الأستاذين سليمان عراج ومحمد العربي زيتوت، إلى أن وصل إلى ذروته. وبدل أن تطلب المذيعة الدخول في فاصل، كما يحصل عادة في مثل هذه الحالات، صارت هي طرفاً في الشجار، فدخلت في مواجهة قوية مع ضيفها زيتوت. وبدأت بتوجيه عبارات زادت من سخونة الوضع الملتهب أصلا، مثل: «لست مهتمة» وكررتها مرتين.
ومن ثم: «أنا الحوار» و«لا أريد أن أسمع بقية الحوار» و «لا ترفع صوتك»، وقد أعادت الجملة الأخيرة ثلاث مرات وصوتها يزداد ارتفاعاً مرة بعد أخرى.
وكي يصل البركان إلى ذروته، أنهت البرنامج على الشكل التالي:
«هذا الحوار انتهى، إذا كنت لا تريد أن تسمع أسئلتي ومداخلاتي فهذا الحوار انتهى. مع السلامة.. هذا الحوار انتهى مع السلامة».
رد الضيف محتدا: «أنا لا أقبل منك هذا الكلام»! فأجابته: «تقبله أو لا تقبله فأنت حر».
ولم تتردد عن رفع أصبعها خلال العراك، وكأنها صاحبة السلطة والضيف أمامها تلميذ في الصف الإعدادي.
جن جنون الضيف، لأنها طردته على الهواء مباشرة، ولم يكن منه إلا أن خرج عن قواعد اللياقة بدوره… واعتبرها قبيحة وعارا على المحطة!
وما كان منها إلا أن ردت له الشتيمة قائلة: «الإناء ينضح بما فيه».
كنا نتوقع من ملاك جعفر، وهي الإعلامية المحترفة، التي تعمل في مؤسسة كبرى بحجم «بي بي سي»، أن تكون أكثر قدرة على احتواء غضب الضيف، والسيطرة على الموقف، والتعاطي معه بذكاء وليونة أكبر، بدل أن يتحول الحوار، الذي له قواعده المعروفة، المبنية على الاحترام المتبادل واللياقة والتواضع أيضاً، إلى عراك فعلي أمام آلاف المشاهدين. كان بإمكانها لو أنها أحكمت إدارة برنامجها منذ البداية، أو على الأقل إيقافه في الوقت المناسب، أن تجنب نفسها والمحطة وتجنبنا أيضاً هذه الفضيحة الهوائية.